جعفر عباس

سطحية مسطحة ومنبطحة على الجهالة (1)


ما كان ممكنا أن لا أحتفل ببداية الألفية الجديدة، رغم أنه لم يسبق لي أن احتفيت برأس أو مؤخرة أي سنة، وكان هناك ما يبرر حرصي على الاحتفال بعد أن بشرتني وكالات الأنباء بتقاعد الرئيس الروسي وقتها بوريس يلتسن الذي قرر أن يتفرغ للعبادة: عبادة الفودكا التي ظل وفيا لها طوال سنوات محنته في الكرملين، وكنت مكروها في الدوائر الرسمية الأمريكية لأن كرهي ليلتسين فاق كرهي لفاروق الفيشاوي، فالأمريكان كانوا يحبون يلتسين لأنه كان في حالة سكر متصلة، وفتح أسرار بلاده أمامهم، وإذا أردت أن تعرف لماذا يكره كاتب هذه السطور بوريس يلتسين والفيشاوي، وكنت مستعدا للتضحية بوجبتك التالية فابحث عن صورتيهما، وسترى أن تعابير وجهيهما توحي بأنهما يعانيان من مغص ناجم عن إمساك مزمن.
وزاد من فرحتي، بأن الله مد في أيامي وشهدت مطلع قرن جديد، أن ابنتي المتوحشة مروة شاركتني الاحتفال، وسمعتني أردد اسم «بوريس» يلتسن فحسبته نوعا من السيارات وأن والدها قرر أخيرًا أن يقتني سيارة تنتمي الى العصر الحديث، فأعطتني فرصة ذهبية للشماتة فيها، وكانت قبلها قد كشفت عن ضحالة ثقافتها الدينية عندما اتضح أنها تحسب إمساكية رمضان قائمة بالأطعمة التي تسبب الإمساك للصائم. وكانت تلك فرصة ذهبية بالنسبة إلي لفبركة سلسلة من الأكاذيب حول ثقافة مروة والترويج لها بين الأهل والأصدقاء استنادًا إلى حصيلة استطلاعات للرأي جرت في عدد من البلدان العربية الشقيقة أي التي تعاني من الشقيقة السياسية.
قال بعض الذين تم استطلاع آرائهم ان جمال عبدالناصر يلعب مهاجما في نادي الزمالك. أما المناضل الفذ كاسترو آخر العمالقة في زمن الأقزام فقد قيل انه نوع من زيت الخروع (ربما لأن اسمه يسبب الإسهال للمسؤولين الأمريكيين)، والرئيس الفرنسي الأسبق ديغول أصبح عند نفر، الكلمة الفرنسية لحارس المرمى (دي غول؟) في لعبة كرة القدم. أما ميشيل عفلق فيلسوف الفكر البعثي البغدادي فقد كان حظه أفضل من سابقيه لأن نحو عشرين في المائة قالوا انه مطرب لبناني صاعد.
وكلما ازدادت الأسئلة صعوبة تفتقت العبقريات: شوفيني تعني الشخص ذا الميول الاستعراضية من إقليم الشوف في لبنان، (الشوفينية هي التطرف والمغالاة في «الوطنية» مع احتقار أهل البلاد الأخرى)، والأجسام المضادة (Antibodies) المقصود بها الشيوعيون أو من يعارضون حكومات بلادهم. وسئل البعض عن الشيخ محمد عبده، فردوا في تهكم: منذ متى صار المطربون شيوخا؟ كارتر تحول إلى شركة طيران أمريكية، ورابعة العدوية هي أول امرأة تتبوأ منصبا وزاريا في اليمن (أشمعني اليمن؟ الله أعلم)، وجهاز المخابرات الإسرائيلي الشين بيت كان عند البعض اسم حي البغاء في تل أبيب (لا بأس بهذا التخريج فهو على كل حال بيت شين وسيئ السمعة)، والهستامين هو اتحاد العمال الإسرائيلي، وهنغاريا التي هي المجر أصبحت الكلمة اللاتينية للمجاعة في حين أن البنكرياس هو البنك المركزي في اليونان (في هذه الحالة تكون اللغة اليونانية مستمدة من العربية: بنكرياس هو البنك «الريس»، يا للنباهة). والحجاب الحاجز هو تعويذة تمنع عنك العين الحاسدة وكيد الأعداء وخاصة الحموات (حماتي ستأتي قريبًا للإقامة معي في الدوحة لبعض الوقت ولا بد أن أستغل الأيام القليلة التي تسبق قدومها لممارسة حرية التعبير على أوسع نطاق وخاصة أن بعض المصادر تقول انها أخذت علما بمخططي الإجرامي للزواج بنبيلة عبيد)، وماركس آند سبنسر هما مفكران من جامعة أوكسفورد وضعا أسس اقتصاد السوق، والألفية الجديدة قصيدة تحوي تعديلات على قواعد النحو.

jafabbas19@gmail.com