سطحية مسطحة ومنبطحة على الجهالة (2)
استعرضت في مقالي هنا أمس خلاصة استطلاعات الرأي التي تمت في عدد من الدول العربية، وكيف ان بعض الذين شاركوا في الاستطلاع، كانوا يعتقدون أن حسني مبارك مطرب مصري من الدرجة الثانية، وأن جعفر عباس ممثل تركي أزاح مهند من الساحة وفاز بقلب «نور»، وأن الكولسترول من مشتقات البترول، في حين أنهم كانوا يعرفون أسماء أزواج المطربة اللبنانية الراحلة الشحرورة صباح السبعة عشر، وكم سعرة حرارية تدخل جسم هيفاء وهبي في السنة الواحدة.
ولم تعد مثل تلك الاستطلاعات تدهشني أو تضحكني، لأن وسائط التواصل الاجتماعي أوصلتني إلى خلق يحملون شهادات ذات مسميات أجنبية تهبل، ولكن معرفتهم بأحوال الدنيا عامة ممعنة في السطحية.
وتذكرت حكاية الطفل السوداني في أحد رياض الأطفال في دولة خليجية، الذي طلبت منه المعلمة أن يؤدي النشيد الوطني لبلاده، وكانت المفاجأة التي أسعدته أن جميع الأطفال من حوله كانوا يحفظون النشيد: كده كده يا التريللا، سايقها قندرانو، وما لم يكن يعرفه ذلك الطفل هو أن كبار السن من العرب يحسبون أن النشيد الوطني لبلاده هو: المامبو السوداني.. مامبو، وأن كسلا مدينة سودانية لا يقوم أهلها بأي عمل أي أنهم يحترفون النوم. وبما أن الشيء بالشيء يذكر فإنني أعجب لاعتقاد سائد في دول الخليج بأن السودانيين قوم كسولون ولهم في ذلك نكات عجيبة، منها أن السوداني جلس على كرسي الحلاقة منكس الرأس فسأله الحلاق إذا ما كان يريد قص شعر الرأس أم اللحية فأجاب بأنه يريد قص اللحية فطلب من الحلاق أن يرفع رأسه قليلاً وهنا قال الزول: بلاش، احلق الرأس. وهناك ذاك الزول الذي كان مستلقيا على فراشه عندما سمع نقرا شديدًا على الباب فاستفسر عن هوية الطارق من دون أن يغادر فراشه فجاء الرد: أنا فاطمة زوجتك، هنا وقع الرجل في حيص بيص، لأن مغادرة الفراش كان أمرًا عسيرًا وأخيرًا اهتدى إلى حل ثوري: روحي أنت طالق.
ولا أستطيع الزعم بأن السودانيين أهل نشاط وعمل ولكن أن يأتي اتهامهم بالكسل من الإخوة العرب فهذه تو ماتش، بالمصري، كتيرة وواسعة قوي. يعني ما شاء الله العرب أهل همة ونشاط ومن فرط حبهم لبذل الجهد والعرق فإنهم لا يكتفون بالسجائر العادية بل يجعلون بينهم وبين التبغ المحروق مسافة يجوز فيها قصر الصلاة ويشفطونه عبر بركة ماء راكد ثم خرطوم مزركش ثم يبصقون الدخان في ترفع وكبرياء ويسمون ذلك «التشييش»، ونشرت الزميلة «الشرق الأوسط» تقريرًا يقول انه منذ حظر الشيشة في أبوظبي في عام 1998 ابتكرت المقاهي نظام التسليم في المنازل: ألو معاك حسان حسون من الخالدية، أرجوك تجيب لي واحد شيشة بنكهة الفراولة.. لحظة من فضلك، عايزة أيه يا أم حسنين؟ لو سمحت أديني شيشة تانية بنكهة التفاح.. قلت إيه يا حسنين؟.. طيب خليهم ثلاثة والثالثة بنكهة الخس، وبعد دقائق يأتيك الرفيق الركن (كلمة رفيق تستخدم في منطقة الخليج للنداء على المواطن الهندي ومن كثرة تداولها حسبت على أول عهدي بالمنطقة أن المنطقة مقبلة على انتفاضة شيوعية أو بعثية).
والإنسان العربي من فرط قوته الجسدية يحرص على قيادة السيارة برجل واحدة ويرفع رجله اليسرى على المقعد بالطريقة التي يجلس بها على كرسي مكتبه وهو يتسامر مع الأصدقاء حول نتائج مباريات كرة القدم وتصفيات الكنكان الليلة الماضية، وفي مباريات كرة القدم يتساقط اللاعبون كأوراق الخريف بعد نصف ساعة من بداية المباراة ويتنرفزون إذا لم يحتسب الحكم ضربة جزاء لصالحهم إذا دخلت حشرة في أذن أحدهم وهو في منتصف الملعب، ويتهمون الحكم بالخيانة الزوجية وتهريب المخدرات. وما يؤكد عروبة السودان أن كل ما قلته أعلاه فيهم أيضًا وإن كانوا يتفوقون على بقية العرب بشغفهم بالجدل السياسي وباتخاذهم الحوار السياسي ذريعة لتأجيل أعمال اليوم إلى الأبد.
jafabbas19@gmail.com