الوطني وسياط الرئيس !
نقد الرئيس البشير لأداء حزبه الحاكم على الهواء مباشرة ومقارنته بالاتحاد الاشتراكي الذي ذاب كما الثلج في هجير يوم غائظ عندما زحفت الجماهير الثائرة لاقتلاع نظام مايو، يمثل شهادةَ شاهدٍ من أهلها، ويا لها من شهادة تسكت كل من يجرؤ على الدفاع عن حزب توافرت له كل أسباب القوة ولكنه رغم ذلك يأبى إلا أن يقبع في نفق الضعف والتراجع انتظاراً لمصير مجهول أكاد أراه بعيني رأسي.
لماذا هذا التقهقر والانهيار في أداء الحزب الحاكم يا ترى رغم أن المؤتمر الوطني يملك من الثروة ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة؟. الإجابة أيسر من جمع واحد زائد واحد!
أولاً لأن الحزب فقد معظم قاعدته الصلبة المتمثلة في الحركة الإسلامية، ومعلوم أن الأحزاب التي تستند إلى قواعد صلبة من أصحاب الولاء العقدي، هي التي يصعب زوالها أو اجتثاثها، ويحضرني كشاهد ذي بريق شاخص الأحزاب الطائفية التي تستند على قاعدة من الولاء العقدي فحزب الأمة مثلاً يقوم على قاعدة الأنصار، والاتحادي الديمقراطي يستند إلى طائفة الختمية، وكذلك كانت الجبهة الإسلامية التي أخذت اسم المؤتمر الوطني بعد قيام نظام الإنقاذ، فقد قامت على الحركة الإسلامية بانتمائها العقدي الراسخ.
بداية التراجع كانت بعد المفاصلة التي شقت المؤتمر الوطني إلى حزبين، حيث خرج المؤتمر الشعبي (وفرز عيشته) تماماً وانفجرت حرب ضروس بين إخوة الأمس استخدمت فيها كل (أسلحة الدمار الشامل) من مخاشنات وملاسنات وضرب تحت الحزام لا أحتاج إلى كشف أبعاده، وأحدث ذلك هزةً كبيرةً في قناعات كثير من الإسلاميين الصادقين الذين اعتزلوا الفتنة، وفي وقت كانت أعداد الإسلاميين الذين كانوا يشكلون القاعدة الصلبة تتناقص، كان الباحثون عن لعاعة الدنيا وزينتها في أطر الحزب الحاكم وفي نعيم سلطته وثروته بتزايدون، وما عدنا نرى تلك النماذج الوضيئة من المجاهدين أخوان الشهداء علي عبد الفتاح وسكران الجنة ووداعة الله واللواء عبد المنعم الطاهر (الجنا المكحل بالشطة)، ومعز عبادي فقد انفض السامر عن تلك الملاحم الخالدة وجاءت نيفاشا بعجرها وبجرها وبضاعتها المزجاة لتحيل انتصارات أولئك المجاهدين في ميادين القتال إلى هزيمة ساحقة ماحقة في مائدة التفاوض لتزداد أوجاع القاعدة الصلبة ولتتحول الجامعات من مصانع لتلك النماذج الفريدة إلى قيادات طلابية معظمها نفعيون يمتطون الفارهات ويتمرغون في نعيم ثروة الوطني بدلاً من شظف العيش الذي لطالما عشقه المجاهدون المولعون بالحياة بين الأحراش والأدغال تقرباً إلى الله تعالى .
ذلك قليل من كثير أصاب القاعدة الصلبة التي كانت تمنح الفكرة من أنفاسها الطاهرة من أجل إقامة مشروع ما قامت الإتقاذ إلا من أجل رفع راياته، فإذا به يسلم إلى قيادات أخرى تركض وراء الدنيا كما الوحوش.
كثيراً ما تجمعني (قروبات) الواتساب مع أناس كثر من مختلف الاتجاهات السياسية، وأقسم بالله أنني وجدت أن ناس الوطني أقلهم صبراً على مجالدة ومقارعة الخصوم والمناوئين من قوى المعارضة أو الدفاع عن حزبهم وتجدهم كذلك أما مستسلمين أو لائذين بالصمت المطبق، بينما تجد الآخرين أكثر عزيمةً ونشاطاً وحرصاً على شن الهجوم المتواصل على الوطني وعلى الحكومة.
أصيب المنتمون إلى الوطني بالهزيمة النفسية وباتوا زاهدين في الدفاع عن حكومتهم في وسائط التواصل الاجتماعي التي تجهل قيادات الحكومة وحزبها الحاكم أنها أصبحت الأكثر انتشاراً وتأثيراً من أجهزة الإعلام الأخرى والصحافة الورقية المحدودة الانتشار والفاعلية والتأثير لأسباب معلومة ولا أزيد!.
من أهم أسباب الضعف الذي يعاني منه الوطني المناخ السياسي المحتقن في البلاد ولا يمكن للوطني أن يشعر بالخطر وينتفض مدافعاً عن نظامه ما لم يجد منافسة شرسة في الهواء الطلق من أحزاب قوية تدفعه إلى المنافحة عن سلطته ونظامه وبرنامجه السياسي.
إن الوطني في حاجة إلى أن يقود عملية إصلاح المناخ السياسي في البلاد، ذلك أن الممارسة الديمقراطية الراشدة ولا شيء غيرها هي الكفيلة بتحريك مواته ورفده بعناصر صادقة وفاعلة تنفخ فيه الروح من جديد.
يحتاج المؤتمر الوطني بعد النقد الذي وجهه إليه رئيسه إلى اخضاع الأمر إلى دراسة عميقة يتوافر لها بعض الصادقين ولا يظن أحد أننا شامتون لما أصاب الوطني فإننا والله أكثر ما نكون حرصاً على أن تقوم أحزاب قوية ترفد الممارسة السياسية وتحقنها بعناصر العافية التي يحتاج إليها وطننا الغالي حتى ينهض من كبوته.