مصطفى أبو العزائم

جماعة الرئيس


صالونات المدن ومجالسها تردد منذ فترة ليست بالقصيرة وتحديدا منذ التغييرات التي طالت قيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم وقيادات الدولة في المناصب العليا, تردد هذه الصالونات والمجالس الخاصة منذ ذلك الوقت أن كل تلك التغييرات إنما تجيء لتوطيد أركان حكم (جماعة الرئيس) لتحقيق غايات المرحلة الجديدة من مراحل الحكم الذي بدأ متشددا ثم انفتح قليلا.. ثم برزت بعض الصراعات في داخله لتتم بعد ذلك عملية المفاصلة الأشهر ويبدي النظام مرونة أكثر في تعامله مع قضية جنوب السودان، مضت بالجميع نحو غاية تحقيق السلام من خلال اتفاقية تاريخية بكل المقاييس، سعت لتحقيق السلام وأعطت أبناء الجنوب حق تقرير المصير تأكيدا على حسن النوايا السياسية وترسيخا لثقة كانت مفقودة بين الطرفين.
لم يهنأ النظام كثيرا بما حققه من مكاسب بالتوقيع على اتفاقية السلام الشامل في العام 2005م فقد سبق التوقيع بروز قوى جديدة مسلحة حملت رايات الهامش والظلم في دارفور لتشعل الإقليم والمنطقة بعد أن وجدت الدعم غير المحدود من كل خصوم النظام المعروفين أو الذين يعملون في الخفاء بوجه غير الذي يظهرونه للناس مثل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.
تشتت قوى الدولة وانصرفت قواتها المسلحة والقوات الأخرى لصد العدوان خاصة في مناطق ظلت تعاني من ويلات ما بعد السلام بعد أن عانت من ويلات الحرب, في النيل الأزرق وجنوب كردفان وأبيي.
كل يوم جديد كانت تشرق فيه الشمس على السودان كان يحمل معه كيداً جديداً على البلاد إلى أن بلغ ذلك الكيد حد اتهام رئيس الجمهورية بجرائم حرب وإبادة جماعية من قبل مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية والمطالبة باعتقاله وتقديمه للمحاكمة.
محاولات التضييق على النظام أدت إلى إحكام الخناق على الشعب السوداني وحصاره وإضعاف بنياته الاقتصادية، واكتملت فصول المؤامرة بفصل جنوب السودان حيث لن تصمد الدولة بعد ذلك إلا لأشهر قليلة فينهار كل شيء وتذوب أحلام الحكم في نيران الواقع الجديد الملتهب.
يعجب المراقبون ويتساءلون عن القدرة العجيبة التي يتجاوز بها النظام كل هذه (المطيات) والشراك، بل ويصمد رغم الرياح العاصفة, وتبز أصوات هنا وهناك ترشح زيداً لتولي مقاليد السلطة أو تدفع بعبيد مرشحاً لقيادة الدولة.. ويدور همس حول أكثر من مركز قوة يحاول فرض سياساته أو فرض جماعته على الدولة وهياكلها في مجالات السياسة العامة أو الاقتصاد أو أي مجال آخر.
الذي حدث من تغييرات تم باتفاق القيادة كما جاء على ألسنة هذه القيادات ومن حق رئيس الدولة المنتخب مباشرة بأصوات الناخبين أن يختار معاونيه أو (جماعته) كما يتردد الآن سواء على مستوى الجهاز التشريعي أو التنفيذي أو حتى داخل حزبه، لأن الأقوى دائماً في كل الأنظمة هو الذي يختاره الناس، وفي السودان يكون نواب البرلمان ورئيس الجمهورية هم الذين يعبرون عن الإرادة الشعبية الحقيقية .. وهي الإرادة التي أبقت هذا النظام قائماً منذ أكثر من ربع قرن رغم العواصف والأنواء والعواصف الشرقية والغربية التي تضر سفينة الحكم.