مصطفى أبو العزائم

أشقاؤنا.. نعم.. ولكن..


في بدايات العام 1990م, أصدر العقيد معمر القذافي قائد ثورة الفاتح من سبتمبر التاريخية- هكذا كان يسمى- أصدر قراراً واجب التنفيذ لكل المؤسسات في (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى)- وهكذا كانت تسمى ليبيا في عصر القذافي-, قضى ذلك القرار بأن تتم معاملة العرب المقيمين في ليبيا معاملة الليبيين.. وكنت وقتها أقيم في مدينة “طرابلس” وما كنت أرى ميزة للمواطن الليبي على شقيقه العربي سوى أن الأخير (براني) أي غريب بلغة أهل الشمال الأفريقي العربي, وهذا (البراني) مهما فعل سيظل (برانياً) ما لم تتغير سحنته, ويتغير لسانه لينطق بمثل ما ينطقون هناك.. ومع ذلك تحدثت إلى جار وصديق ليبي عزيز اسمه “رمضان” وسألته إن كان يرى ما يفيد في قرار (الأخ القائد) حول معاملة المواطنين العرب معاملة الليبيين.
تلفت “عم رمضان” يمنة ويسرة.. وصمت وهو يتفحص كل ما حوله, وأدنى فمه من أذني وقال هامساً: “يا وِلدي هم الليبيين لاقين معاملة.. عشان غيرهم يتعامل مثل ما هم يُعاملون؟”.
رد عليّ الرجل الخائف بسؤال على سؤالي لكنه كان كافياً شافياً.. ووافياً.. فلا العم رمضان وجد من المعاملة ما يرضيه، ولا من حلوا ضيوفاً على بلاده وجدوا من الطمأنينة ما يجعلهم يعيشون حياتهم دون قلق أو خوف.. ولنا في هذا قصص وحكايات لأعداد من السودانيين عشناها معهم، ذاق بعضهم فيها الأمرين حتى عاد إلى أرض الوطن يقبلها ويبللها بالدموع, التي لا يعرف أحد إن كانت دموع فرح بالعودة, أم دموع ندم لفراق الوطن..!
(البراني… براني) كما كان يقول الليبيون, وهم بذلك لا يريدون التفريط في حق لهم لآخر، حتى وإن كان مواطناً عربياً شقيقاً تجمع بينه وبينهم مظلة الجامعة العربية أو حتى يستظل معهم بظل الاتحاد المغاربي الكبير.
هذه الصورة أكاد أراها الآن لكن بعين سودانية عندما ننظر لقضية الوجود الأجنبي في السودان, وما يشكله من مخاطر جمة على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, وعلى الأمن القومي على وجه الخصوص.
نعم.. أكاد أرى وغيري كذلك هذه الصورة ونحن ننظر للوجود الأجنبي في بلادنا التي أصبحت قبلة للاجئين من عدد من دول غرب أفريقيا ذات الجوار المباشر أو التي يفصل بيننا وبينها دول وأقطار, وأصبحت قبلة لوافدين من دول الجوار الشرقي, أو لاجئين حتى من دولة جنوب السودان التي كانت جزء من السودان الكبير حتى انفصلت قبل خمسة أعوام ليعود الذين اختاروا الانفصال إلى الوضع القديم دون أن يمروا على صناديق الاقتراع أو دون أن يتجاوزوا محنة الانفصال عن طريق الاستفتاء.
نحن لا نرفض أن نجير من استجار بنا، وهذه من قيمنا وموروثنا الديني والأخلاقي, ونحن مع إغاثة الملهوف, وإيواء الذين شردتهم الحرب.. نحن مع أشقائنا في سوريا, لكن هذا لا يعني أن تظل أبوابنا مشرعة دون ضابط أو رابط.. هم أشقاء ما في ذلك شك لكنهم غير سودانيين, ووجودهم معنا مرحبٌ به لكن وفق الضوابط المنظمة لوجود الأجانب حتى ولو كانوا أشقاء من سوريا أو جنوب السودان أو أثيوبيا أوغيرها.
هناك مفوضية خاصة بشؤون اللاجئين تتبع للأمم المتحدة, عليها أن تقوم بواجبها تجاه اللاجئين، لا أن تدفع بالأمر وتبعاته على كاهل حكومة وشعب السودان.. لابد أن يقوم كل بدوره, علينا أن نقبل الاستضافة, فهذا قدرنا، لكن على الآخرين القيام بواجباتهم وأداء مسؤولياتهم على الوجه الأكمل.. ونحن لا نعرف من اندس وسط هؤلاء وأولئك الذين جاؤوا إلينا من كل فج عميق.