جمال علي حسن

جرعات لتخفيض نسبة “داعش” في الدم ٢


أكثر مقولة مزعجة يرددها البعض أحيانا مقولة (داخل كل واحد منا داعشي صغير)، لأنها تساعد على تخفيف عظمة مصيبة وجريمة التطرف الديني وشذوذها التام وبراءة الإسلام منها تماماً، وكنا في الحلقة الأولى من هذا المقال أمس نتحدث عن خطورة تضخيم نسبة الوجود الديني المتطرف في السودان وانتشار الفكر الداعشي في سياق حملات الإعلام للتنوير والحد من اتساع خارطة التطرف وتمددها في المجتمع السوداني.
نعم التنوير مطلوب ومصادرة منابر الفكر التكفيري وتحجيم خطابها ومراقبة توجهات ومحتوى الخطاب الديني كلها أمور واجبة وضرورية لوقاية الشباب السوداني من هذا الفكر السام، لكن هذا العمل الوقائي نفسه يجب أن يحترز للصورة الذهنية التي قد يكونها المتلقي عن واقع المجتمع السوداني ونسبة انتشار هذا الفكر الداعشي أو غيره من الأفكار الإرهابية المتطرفة، ويجب التأكيد باستمرار على المناعة الذاتية للمجتمع السوداني ضد هذا الفكر وعدم تقبل مجتمعنا بطبيعة ثقافته الدينية الصوفية المتسامحة لمثل هذه الأفكار وما يترتب عليها من نشاط إرهابي وإجرامي وقتل وتفجير.
حيث لا نعتقد أن نسبة المظاهر المتطرفة وحالاتها التي تم رصدها في الفترة الماضية تكفي لوصفها بأنها ظاهرة من الظواهر التي قد تجد الفرصة والمجال لأن تنمو بالمستوى الذي نشاهده في بعض الدول العربية والإسلامية الآن.
نحن مجتمع يتمتع بدرجة كبيرة من الوعي لقيمة التسامح الديني، حيث يعتبر المجتمع السوداني من المجتمعات العربية القليلة التي لا يعرف أهلها الطائفية الدينية أو المذهبية، ولا يكاد معظم الشباب السوداني يهتم بمعرفة الفرق بين المسلم السني والمسلم الشيعي.. بل حتى مذاهب أئمة أهل السنة والجماعة نفسها، وخلافاتهم والاختلافات بينهم لم تكن يوماً تمثل جنداً أو بنداً من بنود الاهتمام، بل لايكاد معظم الشباب المسلم المتدين يستطيع الإجابة عن سؤال مفاجيء له: هل أنت حنفي أم شافعي أم مالكي المذهب؟.
كما أنه وعلى الرغم من أن المجتمع السوداني مجتمع مسلم يعلي من قيم الجهاد والاستشهاد في سبيل الله ويتمتع بغيرة كبيرة على الإسلام، لكنه يمتلك وبحكم ثقافته وحضارته الإسلامية الأصيلة الوعي الكافي للفصل بين الجهاد وبين الإرهاب، والفصل بين تغيير المنكر وبين تفجير وقتل الأبرياء والفصل بين الدعوة الى الإسلام وبين الانتقام من الآخرين وتصفية أجسادهم على أساس الهوية الدينية أو الطائفية أو المذهبية.
علينا أن نتعاطى مع هذا الخطر العام بحسب حجمه الحقيقي حتى لا تتحول جهود الوقاية من التطرف إلى منابر ومساحات ترويج للتطرف نفسه.
نقول هذا لأنفسنا ككتاب رأي ونتوجه به للفضائيات السودانية وأصحاب المنتديات والندوات نقول لهم إن ظهور حالات متطرفة في جامعة أو مؤسسة من المؤسسات وبين مجموعة من الشباب والشابات كان معظمهم له خلفية إقامة طويلة خارج السودان وتشرب بثقافات تدين غير الثقافات السودانية، نقول إن هذا لا يكفي لأن ندين مجتمعنا بأنه قد يكون معرضاً للإصابة بوباء التطرف الديني.. ليس هذا دقيقاً.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.