الفساد.. “التحلل الصحفي” لا يكفي
تقرأ الصحف هذا الأسبوع، فتلاحظ عودة أخبار الفساد إلى واجهاتها (عناوينها الرئيسة)، بعد أن توقفت عن تناول هذا النوع من القضايا المهمة والحيوية وأمسكت عن نشر هكذا أخبار، خشيِّة الإيقاف والمصادرة بأثر رجعي (بعد الطباعة).
ولعل عودة الصحف إلى التطرق إلى الفساد (بعد توقف)، يشي بأن هنالك إرادة سياسية تقف وراء هذا الأمر، وأن ثمة ضوءاً أخضر (خافت) ربما، أُرسل إليها من الجهات التي بيدها الأمر (السلطة) لابتدار (حملة) صحفية ضد الفساد والمُفسدين.
والحال كذلك، فإن تطبيق تقنية التحصيل الإلكتروني – كما في أورنيك (15) – أعطى إشارات إيجابية في هذا الصدد، إذ أنه كرس لدى المواطن العادي والمراقب والمنظمات الدولية ذات الصلة بقضايا الفساد شعوراً عاماً بجدية الحكومة في القضاء على هذه الظاهرة التي أعاقت التنمية وأقعدت بالبلاد والعباد، وأفقدت المواطن الثقة في مؤسسات الدولة.
بطبيعة الحال، فإن هذه الخطوة غير كافية، لكنها تضع أمر الحرب على الفساد في طريقه الصحيح، وعليه فإن الخطوة التالية لا بد أن تكون أكثر جدية وصرامة بتقديم المتهمين بالفساد والإفساد إلى القضاء، فلا يكفي أن ترشح (رائحتهم الكريهة) على مينشيتات الصحف، ونكتفي بهذا القدر من (التحلل) الصحفي ثم يلوذ (ناهبو) أموال الشعب إلى قصورهم ويتقلبون في ثرواتهم التي كنزوها من أموال هذا المواطن (الغلبان).
في الواقع، لن يعجز أي أحد على إجراء قياس تقديري لنسبة الفساد والمفسدين ومن لديهم (استعداد) نفسي للانخراط في هذا الخضم، وهم يمثلون نسبة كبيرة للغاية، أعلى مما يتصور البعض، وذلك ليس عطفاً على أخبار الصحف مثل (الرئاسة تدعو لتفعيل آليات محاربة الفساد، مدير الأقطان السابق قال قبل مقتله: ” إنه لن يسكت على الفساد”، اعتقال تجار وسماسرة تورطوا في تهريب الدقيق، دج ينفي حدوث فساد في مشروعات إعمار الشرق، و…. تفاصيل مثيرة في قضية الصمغ العربي)، فحسب، بل عبر ملاحظات يومية تطرح سؤالاً واحداً على نسق: (من أين لك هذا؟).
موظفون صغار جداً، وكبار جداً، وكوادر وسيطة، تتطاول أبنيتهم و(تتفاره) سياراتهم، ويرحلون في ترفيههم إلى أقاصي الدنيا، ويغدقون إلى الجامعات (السياحية) بأموال قارون في سبيل تعليم أبنائهم فيها، فمن أين لوزير دعك عن (حتة محاسب) في شركة لم يسمع بها أحد، أن يدفع رسوما سنوية لجامعة ما تتراوح ما بين (50 إلى 60) ألف جنيه، مثلاً؟
ليست هنالك من عوائق ومصدات ومتاريس تحول دون أن ينعم أهل السودان بمواردهم الضخمة ويعيشوا حياة كريمة إلاّ ثلاثة، الفساد المالي، الحرب، وسياسة (التمكين) في الخدمة المدنية، أي (تسييسها).
تفعيل وتنشيط مبدأي المحاسبية والشفافية، واجتراح آليات ضبط ورقابة فعالة على أنشطة مؤسسات الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، خاصة ما تسمى بصناديق ومشاريع التنمية، تعتبر الطعنة النجلاء في قلب الفساد.