د. جاسم المطوع : حوار مع أربع بنات مدخنات!
لماذا تدخنّ السيجارة؟ تم طرح هذا السؤال على أربع فتيات عمرهن لا يتجاوز الخامسة عشرة.. فقالت الأولى: كانت البداية عندما طلق أبي أمي فتأثرت كثيرا بهذا الطلاق، ولم أعرف كيف أتصرف فلجأت إلى السيجارة وكانت هي البداية، وقالت الثانية: أما أنا فكانت بدايتي في موسم الامتحانات المدرسية، وكنت متوترة جدا، فلجأت للتدخين لعله يخفف علي بعض همومي وخوفي وتوتري، وقالت الثالثة: أما أنا فإني رأيت أمي تدخن السيجارة مع صديقاتها، فأردت أن أجرب التدخين فلما جربتها تعلقت بها، وقالت الرابعة: صديقاتي دائما يطلبن مني أن أشاركهن التدخين فلما جربتها أدمنت عليها.
قد يرى البعض أن تدخين شبابنا وبناتنا قضية سلوكية أو صحية، وقد يكون محقا في ذلك، ولكني أراها بالدرجة الأولى قضية تربوية، (فإذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهله الرقص)، فالمناعة والحصانة السلوكية التي نعطيها لأبنائنا في العملية التربوية هي التي تحفظ سلوكهم وتضبط أخلاقهم وتوجه رغباتهم، ولهذا فإن البنات الأربع يعرفن جيدا أن التدخين مضر بالصحة، وهو السبب الرئيسي لسرطان الجلد والإصابة بالعقم والبرود الجنسي، وأن في كل دقيقة يموت في العالم 10 أشخاص من التدخين، فالقضية بالنسبة لهن ليست مجرد معلومات تحفظ أو تعطى عن أضرار التدخين، ولكن الأهم كيفية التفاعل مع هذه المعلومات وتحويلها لسلوك عملي.
فظاهرة تدخين الشباب والفتيات في الخليج صارت منتشرة وواضحة، وقد اطلعت على أرقام وإحصائيات كثيرة تفيد بازدياد نسبة المدخنين الشباب عندنا، وبعض هذه الدراسات تفيد أن نسبة المدخنين من الرجال بلغ بالخليج 40 بالمئة بينما نسبة النساء 10 بالمئة، يعني ذلك أن كل أربعة رجال مدخنين بينهم امرأة واحدة، أما الشباب فنسبة تدخينهم 15 بالمئة وهذه الأرقام للتدخين العلني بخلاف التدخين السري وغير المعلن عنه، وخاصة في فئة النساء والبنات، كما يموت عندنا يوميا 45 حالة بسبب الأمراض السرطانية التي لها علاقة مباشرة بالتدخين.
فالتدخين قضية خطيرة ومدمرة وخاصة إذا رافقه حشيشة أو مخدر، لأن التدخين هو البوابة الرئيسية لهما، ومع كل ذلك فإننا مازلنا نعالج القضية بطريقة بسيطة وسطحية، فإذا أردنا توعية الشباب والفتيات بأضرار التدخين عملنا لهم محاضرة أو ندوة، ونكتفي بهذا العمل وكأننا عالجنا المشكلة من جذورها، فالمشكلة تحتاج لأربع وقفات علاجية؛ الأولى تربوية والثانية قانونية والثالثة سلوكية والرابعة عاطفية، فأما الوقفة التربوية فإن التربية البيتية أهم سلاح لعلاج هذه المشكلة من خلال “القدوة الوالدية”، فلو كان أحد الولدين مدخنا فإنه يزين لأبنائه التدخين من حيث لا يشعر، وأعرف أحد الآباء المدخنين الذي كان يخفي عن أولاده إدمانه على الدخان طوال ثمانة عشرة سنة من عمرهم وقد نجح في ذلك.
أما الوقفة الثانية فهي العلاج القانوني والرقابي، وذلك من خلال منع بيع الدخان للشباب، ولعل المصيبة الأكبر أن سعر علبة الدخان عندنا بالخليج أقل من نصف سعرها بالدول المنتجة لها، وكأن القضية مقصودة لتخدير مشاعرنا وأفكارنا وضياع أوقات شبابنا.
والوقفة الثالثة وهي العلاج السلوكي الوقائي من خلال حسن اختيار الصحبة النظيفة لأبنائنا، ونبدأ بتطبيق هذا المفهوم من الصغر، ولو أستطعنا أن نساعدهم في اختيار أصدقائهم وهم صغار فإن ذلك يساعدهم في حمايتهم مستقبلا وكما قيل “الصاحب ساحب”.
والأمر الرابع وهو العلاج العاطفي بأن نعلم أبناءنا كيف يتعاملون مع مشاعرهم وعواطفهم في حالة القلق والتوتر، واضطراب المشاعر والحزن والخوف، وكيف يشبعون عواطفهم ومشاعرهم ويطمئنونها من خلال الذكر والصلاة والدعاء، واستشارة الحكماء واللجوء لله تعالى، فهو فارج الهم وكاشف الضر، ونعلمهم هذه المعاني عمليا لا نظريا ونزينها في عقولهم، فلا نعطي لعقولهم فرصة تزيين صورة السيجارة بأنها هي الحل للمشاكل العاطفية والضغوط النفسية، وقد أعجبني أحد الآباء عندما اكتشف تعلق ابنه بالدخان، فأخذه وأجلسه مع مدمن للمخدرات ليحدثه عن تجربته بأن السيجارة كانت هي بوابة الوصول للمخدر، وقد قال له: يا ابني لا تخطئ نفس الخطأ الذي وقعت فيه، فالسيجارة “أولها دلع وآخرها ولع”، وقد تأثر كثيرا بهذه الجلسة، والله الحافظ.