حزب “عثمان”
لم يترك زملاء المهنة لـ”عثمان ميرغني” نصيحة إلا وجهروا بها في وجهه لمجرد دعوته لتكوين حزب جديد بفكر جديد وقيادات جديدة ورؤى مغايرة لما هو مطروح الآن في الساحة.. الزملاء الأعزاء أغلبهم من اليائسين المحبطين وبعضهم من المجربين لفكرة تأسيس حزب ظناً منهم أن الشعبية التي تحظى بها كتاباتهم في الساحة كفيلة بجعلهم قادة سياسيين، ومن هؤلاء المهندس “الطيب مصطفى” الذي بلغ به التفاؤل أن طرح نفسه وحزبه منبر السلام العادل كبديل للمؤتمر الوطني وأن يصبح “الطيب مصطفى” في مقعد الرئيس “البشير”، وبعدها فقد حتى صحيفته التي أسسها بعرق جبينه و”خدمة ضراعه” وانقسم حزبه إلى حزبين، و”عثمان ميرغني” نفسه جرب من قبل حشد الناس في الساحات العامة لتأسيس كيان سياسي جديد، لكن خفت بريق الفكرة.
قادة الأحزاب الذين يملأون الدنيا ضجيجاً لا يتميزون عن الصحافيين إلا بقدرتهم على (التلون) والتقلب في المواقف والأمزجة.. ولا تخضع شعبية الأحزاب لأسباب موضوعية في كثير من الأحيان وإلا فكيف للأحزاب الطائفية ممثلة في حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي أن تتمتع بهذا النفوذ والرصيد من الجماهير؟! بل في أوساط المثقفين والطبقات التي نالت حظاً وافراً من التعليم تجد هناك من لا يزال (يعتقد) بأن “الميرغني” (مبروك) وأن جده الرسول “صلى الله عليه وسلم” وبمقدوره “سخط” الذين لا يحبونه، وأن البركات تنزل من علياء السماء لآل “المهدي”!!
في سنوات الديمقراطية 1985-1989 نشط حزب البعث العربي الاشتراكي في القرى والفرقان، وعقد الندوات في كل مكان وهاجم الجبهة الإسلامية وحزب الأمة والاتحادي الديمقراطي.. وفي إحدى الندوات التي عقدها الحزب بقرية الكويك بالقرب من كادوقلي التي أصبحت الآن محلية، تحدث المهندس “سعيد المهدي سعيد” القيادي في حزب البعث حينذاك وهاجم “الصادق”، بشدة وبعد الندوة في طريق العودة لكادوقلي أصاب السيارة عطب كاد أن يودي بأرواح قيادات الحزب، فما كان من جدي “البشرى سومي”- رحمه الله- وهو وكيل الإمام “الهادي” وعضو جمعية تأسيسية سابق ورمز من رموز حزب الأمة ومعه العمدة الخال “بخيت أبو شوك” إلا أن اتفقا على أن غضب سيدي “الصادق” لحق الأولاد (المساخيط) من حزب البعث، فقال العمدة “أبو شوك”: أنا خايف (لود بتي) “حاج ماجد سوار” من غضب السيد “الصادق”!! ذلك هو السودان، لم يتغير أو يتبدل كثيراً.. والأحزاب فيه لا تزال تنهض على أسس طائفية وإثنية، وحزب المؤتمر الوطني الذي يظن البعض أنه مثل الاتحاد الاشتراكي ضعيف البنية وهش يملك من أسباب القوة ما يملك لأنه تحالف عريض لإسلاميين حركيين وإسلاميين سلفيين.. وعروبيين.. وتجار وأساتذة جامعات وطبقة موظفين عموميين.. إضافة إلى مكون الحزب العسكري من المقاتلين والمجاهدين الذين ينظرون إليه كملاذ ارتبط وجوده بهم وارتبطوا به.. لذلك المؤتمر الوطني يمكن أن تتسع عباءته ويضم إليه كل المنشقين من حزب الأمة، ويذوب فيه الاتحادي الديمقراطي، إضافة لمكونات جبهات وحركات عسكرية سابقة.
“عثمان ميرغني” يملك فرصة تشكيل حزب آخر يضم المنشقين من الوطني واليسار الذي استيأس من تجربة الأحزاب القديمة، ويشكل هذا التحالف تياراً عريضاً ينافس المؤتمر الوطني بعد الاتفاق على ثوابت وطنية ودستور.. وبذلك تتلاشى أحزاب (الفكة) وأحزاب التوالي وأحزاب الحقائب التي تحمل على الأيدي.. ويصبح للسودان حزبان مثل الولايات المتحدة الأمريكية.. أما دون ذلك فإن حالة التشرذم والانقسامات ستظل باقية، ولن يضيف حزب “الميرغني” للساحة إلا كياناً جديداً قابلاً للانقسام على نفسه في مقبل الأيام.