حوارات ولقاءات

القيادي البارز بالحزب الاتحادي “الأصل” الشيخ حسن أبو سبيب أمضيت (24) سنة في تنظيم (الإخوان المسلمون) وتركته بسبب الانشقاق

أمضيت (24) سنة في تنظيم (الإخوان المسلمون) وتركته بسبب الانشقاق
جندت علي عبد الله يعقوب لتنظيم الإخوان المسلمين في المعهد العلمي
والد الزعيم إسماعيل الأزهري درسني في المعهد.. وأتحدى “الميرغني” أن يكون عندو “قُبب” أكتر من مني
أستمع لحسن عطية وعثمان حسين والكابلي.. وهذه (…) أسباب تسمية الشيخ حامد بـ(أب عصاة سيف)
المفتش الإنجليزي احتج على جودية الشيخ بابكر بدري وقال لي عطلت شغل المحكمة
حوار: الطيب محمد خير – تصوير: محمد نور محكر
في هذه السلسلة من الحوارات، نحاول أن نسلط الضوء على الجوانب الخفيَّة في حياة بعض الذين ارتبطوا لدى الذاكرة الجمعية للشعب السوداني بالإشراقات وربما الإخفاقات.
ونسعى من خلال ذلك إلى تتبع سيرة من أسهموا ــ سلبًا أو إيجابًا ــ في حركة المجتمع والسياسة، وبالطبع نهدف إلى تقليب أوراق حياتهم المرتبطة بالجانب العام، دون أن نتطفّل على مخصوصاتهم، حال لم تكن ذات علاقة مباشرة بالشأن العام. دافعنا في كل ذلك أن نعيد كتابة الأحداث والتاريخ، بعد أن تكشّفت الكثير من الحقائق المهمة، حول كثير من الوقائع التي أثرت في المشهد السياسي السوداني.
أ – أين ولد ونشأ الشيخ حسن أبو سبيب؟
أنا حسن أحمد أبو سبيب العمرابي من مواليد (1932) قرية المطمر ريفي المحمية نهر النيل وعشت فيها حتى بلغت سن العاشرة ومن ثم جئت مع أسرتي لأم درمان وسكنت بحي البوستة .
ب – بداية حياتك الدراسية؟
بدأت حياتي التعليمية في خلوة محمد الرباطابي بقرية المطمر وحفظت القرآن على يد الشيخ محمد علي الفكي بشير ودرست الأولية بمدرسة أم درمان في حي البوستة، وفي عام 1945 التحقت بالمعهد العلمي. وكان يقوم بالتدريس أساتذة مصريون ومن أشهر السودانيين الذين درسونا الشيخ سيد أحمد الأزهري والد الزعيم إسماعيل الأزهري الذي استمر في التدريس بالمعهد حتى عام 1952م,
ت – تخرجت في المعهد، ومن ثم عملت بالتدريس أليس كذلك؟
تخرجت في المعهد العلمي بعد أن درست ثماني سنوات، ومن ثم التحقت بالعمل في التدريس فترة الخمسينات، وعملت في معهد التربية شندي وبخت الرضا ومنطقة الكاملين بالجزيرة.
ث- ثقافتك الدينية نابعة من جذور صوفية ختمية لكنك مع ذلك انضممت إلى الإخوان المسلمين؟
ثمة أسباب كثيرة جعلتني أنضم للإخوان المسلمين، رغم أنني كنت في شباب الختمية، فقد كنت معجباً – خلال دراستي في المعهد العلمي – بحركة الإخوان المسلمين، وفي السنة الرابعة بالمعهد سنة 1949 تم تجنيدنا بواسطة الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد في منزلهم بحي الدومة بأم درمان، وكنا وقتها طلاباً في كلية الحقوق بالقاهرة. وتم تجنيدي مع محمد الزمزمي وحامد عمر الإمام وكانوا أصدقائي في المعهد وأيضاً عبد الله محمد الخير القاضي، ووداعة محمد الحسن، وكان شيخ صادق يتبع معنا أسلوب حسن البنا الذي يعتمد على الرسائل القصيرة والمبسطة (رسالة النور والشباب) ويقدم لنا محاضرات عن سيد قضب وعبد القادر عودة.
ج – جهود كبيرة كان يبذلها قادة الإخوان المسلمين في تهيئة الكوادر لتجنيد زملائهم، فهل كنت جزءاً من هذا؟
جرعة مكثفة من التدريب تلقيناها حول طرق الاستقطاب والتجنيد، وكان ذلك على يد عدد من القيادات. وكنا نرصد الشخص حتى نتأكد أنه قريب منا في سلوكياته ونعطيه بعض كتب حسن البنا التربوية مثل كتاب طريق الجنة ونرغبه في الاطلاع عليه، (ضحك ثم قال) من المفارقات أنا جندت علي عبد الله يعقوب شيخ الجماعة ذاتو عندما كان طالباً معي في المعهد العلمي شفت كيف و(ضحك) وجندت معه عبد الله محمد الخير.
خ خروجك من تنظيم الإخوان المسلمين كان خطوة غير متوقعة؟
خرجت مع الرشيد الطاهر بكر، وعلي محمود حسنين، وميرغني عبد الرحمن حاج سليمان، وتاج السر منوفلي، وحسن شبو، وانضممنا للحزب الوطني الاتحادي، وخرجنا لأننا نرى أن هناك انشقاقات كثيرة بدأت تظهر في جسد التنظيم بسبب مطالبة حسن الترابي وأحمد عبد الرحمن ومحمد يوسف محمد وعبد الرحيم حمدي، بتغيير اسم الإخوان المسلمين لأنهم يرون أنه اسم غير جاذب ولابد من تغييره وبعدها خرجوا من التنظيم وكونوا جبهة الميثاق. وبعدها خرج بابكر كرار، وعبد الله زكريا، وميرغني النصري، وكونوا الجماعة الإسلامية التي تحولت للحزب الاشتراكي الإسلامي.
د- دكتور الترابي بشخصيته المحورية هل كانت لك علاقة به داخل التنظيم؟
دائماً يحدث خلط في تلك الفترة، لأن الترابي وقتها كان يحضر للدكتوراه في فرنسا وليس له أي منصب في قيادة الإخوان وكان المسؤول الأول الرشيد الطاهر بكر وهو المراقب العام للإخوان المسلمين. والترابي شخص ذكي ومثقف بدرجة عالية، وعلاقتي به منذ أن كان طالباً في جامعة الخرطوم ولم تنقطع علاقتي به حتى اليوم وآخر مرة التقيته في رمضان الماضي في إفطار بمنزل بخاري الجعلي وكلما التقيته يمازحني قائلاً أنت من الرعيل الأول للإسلاميين .
ذ- ذكريات وأحداث عالقة في ذهنك؟
ذاكرتي لا تنسى حادثتين الاولى عندما جاء العقاد للسودان سنة (42) فارًا من النازية وأقيم له احتفال في نادي الخرجين أنشد فيه محمود الفضلي قصيدة في مدح العقاد فبكي العقاد وفي اليوم التالي كتبت جريدة الرأي العام (يحيى يسيل دموع الجبار) فرد العقاد (وهل جبار إلا قلب ومشاعر). والثانية كان اقترح الإخوان أن يتم تكوين اتحاد، وقتها كان الصراع بين الإخوان والشيوعيين على أشده، وعندما جاء الإخوان لمكان الاجتماع حدثت مشكلة أكدت لي أن الإخوان المسلمين إرهابيون بحق وحقيقة.
ر- رأيك هذا قد يفسره البعض بأن فيه شططاً وتزيداً؟
رأيت بأم عيني أن الإخوان المسلمون عندما جاءوا لمكان الاجتماع في نادي الخرجين بأم درمان وجدوا أنهم سيخسرون الانتخابات، هنا صدرت توجهات من قيادة الإخوان لكوادرهم بأن يفتعلوا مشكلة لإفشال الانتخابات, وكانت خطتنا لذلك أن يختار الإخوان اثنين من كوادرهم الذين لهم وفرة الجسم وأعطي كل واحد منهم (بسطونة) عصا خيزران وعندما يصعد ممثلو الشيوعيين للمنصة كل واحد أدوه بسطونة في الظهر وانسحبوا، نحن نتم الباقي بالكراسي، فعلاً تم ما خططنا له بطريقة محكمة وانفض الاجتماع وخرجنا من ورطة خسارة الاتحاد.
ز- زواجك هل كان تقليدياً على اعتبار أنك من منبت صوفي متدين، أو سايرت موجة تلك الفترة الميالة إلى المرح؟
زواجي جاء مراعياً لمكانتي كخطيب وإمام مسجد، وارتباطي بمنبر خطبة الجمعة منعني من أن “اتحنن” رغم إلحاح الوالدة وقلت لها بكرة الجمعة وأنا الإمام فكيف أقابل المصلين بالحنة، ولم أقم حفلاً غنائياً في زواجي وعقد القران كان في المسجد الذي أقوم فيه بإمامة المصلين يوم الخميس ويوم الجمعة كنت الخطيب في الصلاة.
س – سبب اعتراض الخليفة يحيى الكوارتي على تولي الراحل السيد أحمد لرئاسة مجلس رأس الدولة؟
سؤالك هذا مهم جداً، وإقول إنه بعد أن تولى السيد أحمد رئاسة مجلس رأس الدولة عام (86) أرسل إليه عمنا الخليفة يحيى الكوارتي وكان كبيراً في السن أن يحضر إليه في بيته في حي العرب وهو من كبار خلفاء السيد علي الميرغني وأنا حضرت هذا اللقاء، وقال عمنا الخليفة يحيى للسيد أحمد نحن كختمية غير راضين عن دخولكم في العمل السياسي، وكان رد السيد أحمد أنه رفض المنصب لكن شيخنا (يقصد شقيقه السيد محمد عثمان) هو الذي أمره بالقبول وأنه لا يعصي له أمراً.
ش – شاع في الأوساط السياسية أن لك قصيدة مشهورة شاركت بها في ثورة أكتوبر؟
شباب يموت فداء الوطن وأرض تمور بنار الفتن.. وشعب طواه الظلام الرهيب رهين السجون سيد الوطن.. هذا كان مطلع القصيدة التي كتبتها في أيام ثورة أكتوبر وأنا أستاذ في كلية المعلمات بأم درمان ويومها كنت أصحح أوراق الامتحانات وجاءت مظاهرة وذهبت فيها وخلالها كتبت قصيدة نشرتها جريدة الرأي العام لكنها ضاعت. وأيضاً كتبت شعر الغزل والحماسة لكن مشكلتي لا أحفظ.
ص- صالونات الأدب في تلك الفترة كانت عامرة، فأي منها كنت ترتاد خاصة أنك كنت ميّالاً لقرض الشعر؟
صدقية محمد أحمد المحجوب الشعرية كانت تعجبني جدًا، لذا كنت أذهب إلى الركن الأدبي الذي يقام في دار حزب الأمة مع بروفيسير دفع الله الحاج يوسف والطاهر شريف ومدثر عبد الرحيم، ولم نكن حزب أمة لكن كان يستهوينا شعر المحجوب وملكته الخطابية.
ع – عدت فجأة من مصر وقطعت دراستك بالأزهر الشريف مثل أقرانك؟
عامان قضيتهما في الأزهر الشريف، وهو ما جعلني أكره الحياة في مصر خلال تلك الفترة التي شهدت عصر الانفتاح والتحلل، لذا رجعت للسودان.
ف – فترة وجودك مع جماعة الإخوان المسلمين تبدو غاضمة وغير معلومة للكثيرين، فهلا حدثتنا عنها؟
في الإخوان المسلمين أمضيت أكثر من (24) سنة، وكنت “أخو مسلم ملتزم” وقمت بتجنيد عدد من الطلاب.
ق – قربك من التنظيمات الإسلامية هل أبعدك عن الفن أم كنت تستمع للأغاني كما يفعل جيلك؟
قلت لك من قبل إنني قمت بكتابة الشعر وخصوصاً الشعر الغزلي، أما بالنسبة للغناء فأنا أستمع للفنان حسن عطية خاصة أغنية (يا ماري عند الاصيل بشاطي النيل صدقني شكلك جميل، وأغنية هل تدري يا نعسان أنا طرفي ساهر) وهي من الأغاني التي تسحرني عند حسن عطية، وكذلك الكاشف ولإبراهيم عوض أغنية أنا اعتبرها من الحكم وأترنم بها وأحبها جداً (لو بعدي برضيه وشقاي بهنيه اصبر خليه الأيام بتوريه) وأترنم أيضًا بأغنية الفنان عبدالكريم الكابلي وهو يغني للعقاد (شذى زهر ولا زهر) وأحب الاستماع لقصيدة الشاعر المصري د. إبراهيم ناجي التي ينشدها كابلي بصوت جميل (ياحنان القيد الاسر الرومي وشعاع يشتهى عند الغيوم، أنا من بعدك مفقود الهوى أسر لنور كريم اشتري الأحلام في سوق المنى وأبيع العمر في سوق الهموم، لا تقل لي في غد موعدنا).
ك – كتابة الرواية والقصة في تلك الفترة كانت تستهوي أبناء جيلكم فهل جربتها؟
لم أكتب القصة لكنني كتبت مقالات في الأدب وشاركت في الكثير من الندوات الأدبية منها ندوة تقييم كتاب غابة الأبنوس لصلاح أحمد إبراهيم وتحدثت فيها بمعية الشاعر الأديب مصطفى طيب الأسماء. وأحب قراءة الأدب العربي ومكتبتي شاهد على ذلك وأنظم الشعر .
م ــ ما هي قصة تحديك للسيد محمد عثمان عام (86) ورفضك الانصياع لأوامره؟
معروف أنني كنت مرشحاً في انتخابات (86) وجاءني في منزلي أحمد السيد حمد وأحمد محمد يس وبشير أرتولي، لهم الرحمة وأخبروني أن مولانا وجه أن أسحب ترشيحي في دائرة أم درمان، لصالح عوض الله محجوب عوض الله، وهو أحد الذين كانوا يحتمون بمولانا ورفضت الانسحاب وقلت لهم معليش يا جماعة أنا رشحتني الجماهير وهي الوحيدة التي لها الحق في اختيار من يمثلها في البرلمان وليس السيد محمد عثمان، ولن أتنازل بأمر مولانا، بل قلت لهم علي الطلاق الدائرة دي لو أترشح فيها مولانا نفسه لن أنسحب لأن هذا اختيار الجماهير، وهنا تصدى لي أحمد السيد حمد وقال لكن ده ما ود السيد علي قلت له أنا ود الشيخ حامد أب عصاية سيف، وعندي سبع قباب أربع في جبل ام علي واثنان في المطمر (المحمية) وواحدة في اسلانج والسيد محمد عثمان وأبوه عندهم كم قبة؟ وقلت لهم خلي السيد محمد عثمان يجي نقعد ونتحاسب، فضحك أحمد السيد وقال بدون حساب أبوه عنده اربع، قلت لهم أنا علي الطلاق مسنود أكتر منو بسبع قباب، ورفضت الانصياع لأوامره واستمررت في ترشيحي.

الصيحة