الطيب مصطفى

بين الموفِّقين والحوار الوطني

رغم الاحتقان الذي يخيم على المشهد السياسي جراء الخلافات القائمة بين معسكر الحكومة وأحزابها بما فيها آلية المعارضة المحاورة المندغمة في المؤتمر الوطني بقيادة المؤتمر الشعبي ومعسكر المعارضة الأخرى بأطيافها المختلفة بما في ذلك الأحزاب المحاورة التي تمثل المعارضة الحقيقية المندرجة في تحالف القوى الوطنية وكذلك حزب الأمة القومي والحركات المسلحة (الجبهة الثورية) وأحزاب قوى الإجماع الوطني ومجموعة (قوت) وغيرها.. رغم ذلك كله أجدني متفائلاً أنه بوسع الموفقين الذين تم اختيارهم بموجب خارطة الطريق المتفق عليها أن يقربوا الشقة ويجمعوا شمل أبناء السودان بمختلف قواهم السياسية حول مائدة الحوار المفترض أن تنعقد في اليوم العاشر من الشهر القادم بالرغم من أن ذلك لن يتحقق ما لم يمنح أولئك الموفقون التفويض الكامل لإنجاز مهمتهم التاريخية.

أقول ذلك واضعاً في الاعتبار صعوبة المهمة التي تحتاج إلى تجرد كامل من أولئك الرجال الأفذاذ.

يجدر بي أن أذكر بأن آلية الموفقين تضم خمس من الشخصيات القومية برئاسة المشير سوار الدهب وعضوية كل من بروف يوسف فضل حسن وبروف كمال شداد والأستاذ إبراهيم منعم منصور والأستاذ أحمد إبراهيم دريج وكلهم من الشخصيات القومية التي لا تأخذها في الحق لومة لائم والتي تعلم مقدار التحدي المنصوب أمامها لنقل السودان إلى مسار جديد في تاريخه السياسي.

هؤلاء الموفقون جديرون بأن يحدثوا تأثيراً هائلاً في المشهد السياسي لو منحوا التفويض الكامل الذي يمكنهم من تقديم الضمانات الكفيلة بتطمين حاملي السلاح للانخراط في الحوار داخل السودان، ولا أجد سبباً البتة يحول دون منحهم ذلك التفويض سيما وأنهم ليسوا مختارين من طرف واحد إنما تم التوافق عليهم من قبل آلية السبعتين الممثلة لأحزاب الحكومة والمعارضة ولعل اسمهم (الموفقون) يعبر عن المهمة الموكلة إليهم وهي التوفيق بين القوى السياسية جميعها وإقناع الرافضين للحوار بالانخراط فيه بعيدًا عن الاحتراب والاحتقان والتغابن الذي يسود المشهد السياسي الحالي والذي يحول دون توافق الجميع وتراضيهم على مسار جديد.

في رأيي أن الهدف الذي فوض الموفقون من أجل بلوغه يمنحهم الحق المطلق في فعل ما يشاءون في حدود ما يتيحه القانون، ولا أجد مبررًا البتة لآلية السبعتين الحالية للسفر لأديس أبابا أو غيرها لإقناع الحركات المسلحة بالمشاركة في الحوار داخل السودان أولاً لأن الآلية بتشكيلها الحالي المعبر عن طرف واحد هو الحكومة لن تنال ثقة المعارضة المسلحة أو غيرها بالنظر إلى أن اندغام الشعبي والأحزاب التي نصبها في آلية سبعة الضرار لتمثيل المعارضة زوراً وبهتاناً لم تعد خافية على الحركات المسلحة وبقية أحزاب المعارضة الرافضة للحوار فهي مجرد كومبارس للمؤتمر الوطني وليس أدل على ذلك من موقفها في اجتماع الجمعية العمومية الذي انعقد مؤخرًا في قاعة الصداقة حيث بان عواره من خلال مداخلتها التي لم تقل شيئاً غير السير في ركاب المؤتمرين الوطني والشعبي الذي بدا خلال الاجتماع ملكيًا أكثر من الملك وأكثر حماساً من المؤتمر الوطني في التعبير عن الحكومة وثانياً لأن الحركات المسلحة تعلم تماماً من هم الذين يمثلون المعارضة المحاورة الحقيقية التي أُقصيت بصورة مدهشة ومما تعلم أن أحد من تم إقصاؤهم هو الدكتور غازي صلاح الدين الذي لولاه لما أُبرمت اتفاقية أديس أبابا مع الجبهة الثورية والسيد الصادق المهدي بمشاركة أحمد سعد عمر عن الحكومة في آلية السبعتين الحقيقية قبل الانقلاب عليها.

لذلك فإني أقترح على الموفقين اصطحاب د. غازي صلاح الدين في مسعاهم لنيل ثقة الجبهة الثورية والصادق المهدي للانضمام للحوار.

كذلك فإن غازي هو الذي تربطه علاقة متينة بأمبيكي رئيس الآلية الافريقية الذي وقع كشاهد على اتفاق أديس أبابا ومن شأن اصطحابهم لغازي كجزء من تحركهم أن يوظف الاتحاد الافريقي ومجلس السلم والأمن الافريقي لمصلحة الحوار ويخفف من تأثير الأزمة التي نشبت مؤخرًا بينه وبين الحكومة جراء بعض الملفات المختلَف حولها. أقول إن على الموفقين أن يتحركوا في كل الاتجاهات فإذا نجحوا في إقناع الحركات المسلحة للانخراط في الحوار الداخلي بدون حوار تحضيري يسبقه فبها ونعمت، وإلا فإن عليهم أن يضغطوا على الحكومة للقبول بالحوار التحضيري الذي لا أرى أدنى مشكلة في انعقاده خاصة وأن الحوارات والمفاوضات الخارجية باتت شأناً مألوفاً في سلوكنا السياسي وقد وافقت الحكومة على لقاءات أقل أهمية فما المشكلة التي تعوق حوارًا مصيرياً تنعقد عليه آمال الأمة السودانية؟

كذلك فإن هناك الصادق المهدي برمزيته الكبيرة والأحزاب اليسارية الرافضة للحوار والتي أثق أنها ستستجيب إن استجاب حلفاؤها المحاربون في الخارج.. كل ذلك يلقي عبئاً وطنياً هائلاً على الموفقين يجعل من قوة التفويض الممنوح لهم أمراً لا فكاك منه ولا بديل، ولذلك فإنني لأرجو أن تطلق أيديهم تماماً ولا يعطل أي مسعى يقومون به مهما كان حتى يحققوا هدفهم الكبير ولا أظن أن هناك خطوطاً حمراء أو فيتو من أية جهة كانت على ما يفعلون طالما أنهم يتحركون في إطار ما يسمح به القانون.

بقيت مهمة أخيرة للموفقين وهي أن يوحدوا المعارضة المحاورة بحيث تنتخب من يمثلها بالتصويت الحر بعيداً عن أساليب البلطجة التي مارسها المؤتمر الشعبي في الانقلاب على المعارضة مستخدماً خبراته الانقلابية القديمة!

علينا جميعاً أن نعلم أن حواراً لا يوقف إطلاق النار وينهي الاحتراب ويحقق السلام لا معنى له البتة ولا ينبغي أن ينعقد المؤتمر قبل أن نحقق تلك الغاية المتمثلة في وقف الحرب.