تنكفيء الحكومة فبندلق الشعب ..!
«الفرد في بلادنا مواطن أو سلطان .. ليس لدينا إنسان» .. أحمد مطر!
(1)
لا قيام مع القدرة في ثقافتنا الإجتماعية، بل نفرة مظاهر تعول في شيوعها على ثقافة الأقساط والديون إن كنت لا تصدقني فتأمل في أيقونات المعيشة والترفيه لدى متمدني الطبقة المتوسطة الذين يمتلك معظمهم أجهزة كهربائية وإلكترونية يتم تصنيفها ضمن قائمة الكماليات عند متوسطي الدخل في العالم الأول! .. هذا السلوك الجمعي أنتج ظاهرة الشخصية المزدوجة .. معظم أفراد الطبقة المتوسطة يظهرون في المجتمعات بمظهر الغنى، بينما يعيشون بين جدران بيوتهم أسلوب حياة أقرب إلى الفقر منه إلى الغنى، لرتق ثقوب الميزانية التي يمزقها «البوبار»! .. والنتيجة ديون بنكية متفاقمة وأموال عظيمة مهدرة على مذابح المظاهر الكاذبة وسلوكيات سالبة تزداد شيوعاً فرسوخاً .. ومساهمات محلية حثيثة في زيادة أسباب الاحتباس الحراري ..!
(2)
التقليد نزعة إنسانية وظاهرة عالمية، لكنه عندنا في السودان طبيعة شعبية ورسمية .. تأمّل مثلاً في ذلك الهروع الجمعي الكبير نحو استثمار رؤوس الأموال الصغيرة في قوالب محدودة ومتشابهة .. فكل من يمتلك بعض المدخرات ثم يمنِّي النفس باستثمارها في مشروع صغير يدر عليه دخلاً ثابتاً يقوم بتقليد مشروع جاره أو صديقه بعيداً عن اختلاف ظروف نجاح ذلك المشروع .. أرجو أن تلاحظ معي أيضاً ذلك الخلل في توازن العلاقة بين طلب المواطن وعرض المستثمر المحلي في السودان .. الكافتريات والمقاهي أكثر من «الكلام الدقاق» .. وخيارات مطاعم الوجبات السريعة أكبر من شهية المواطن .. والركشات وعربات الأمجاد أغلى من ميزانية المشاوير .. بينما يتبرم ذات المستهلك، المحاصر بكم العروض الفائضة عن حاجته، من عدم كفاية العرض لطلبه على سلع وخدمات ضرورية .. والنتيجة توسُّع رقعة الدين على حساب دائرة الربح .. مشكلة المحاكاة والتقليد في المشاريع الصغيرة أنها دوماً إلى زوال، لأن التجارة الناجحة هي لعبة عرض ذكية على أوتار الطلب وليس المحاكاة! .. مواكبة السلعة الذكية يقاس بثبات معدل الطلب عليها، وتطور المجتمعات يقاس بانتشار السلع التي تلائم الحاجة لا المزاج ..!
(3)
التاريخ – كما يقول ابن خلدون – ليس أكثر من نشرات أخبار في الظاهر، ولكن في باطنه تكمن الأفكار والعبر، وتاريخ الأنظمة الحاكمة مع النهب المسلح بالاستبداد السياسي يقول إن تراكم الثروات الشخصية للقلة الحاكمة على حساب الشعوب ظاهرة متفشية في مجتمعات حكومات الحزب الواحد أو التعددية الشكلانية .. وهذا هو بالضبط ما يطلق عليه فقهاء السياسة في حذلقة مصطلح «الكليبتوقراطية»! .. هذا الضرب من الحرابة السياسية المهذبة ينقسم إلى نوعين .. فهناك أنظمة حكم اللصوص الذين لا يأبهون بتقديم الفواتير ولا يكترثون لتبرير تكدس أرصدتهم على حساب خواء خزائن المال العام .. وهنالك من يطلقون على اللصوصية مصطلحات لطيفة .. من فقه السترة .. إلى الترضيات السياسية .. إلى شراكات الحكم الذكية التي تنقسم بموجبها الأموال والموارد بين من لا يملك ومن لا يستحق .. أما المواطن فهو موعود – في النهاية – بسياسات إقتصادية مصوبة إلى مصدر رزقه، وشعارات لزجة تستهدف احتجاجه – إن وَقَع – ومساومات إجبارية على حقة في الفتات – إن وُجِد – ..!