جعفر عباس

حِكم مُحكمة وبديعة (1)


لا يعجبني في بعض كتاب الأعمدة الصحفية قيامهم بملء المساحة المخصصة لهم بمجموعة من الحكم والأمثال والأقوال المأثورة المعلبة، لأنني أعرف أنهم يفعلون ذلك في لحظات (الزنقة)، عندما يحين موعد تسليم المقالات ويكتشفون أن رؤوسهم خاوية من الأفكار، وهي حالة يعاني منها كل كاتب مقال صحفي ولو مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، وأعترف بأنني كثيراً ما أكتب أشياء وأرسل بها الى هذه الصحيفة أو تلك وأنا غير مقتنع بها.
ورغم أنني أقتني كتباً كثيرة للحكم والأمثال الشعبية لمختلف الشعوب، فإنني أقرأها للمتعة ولا أميل إلى انتقاء بعضها لتسويد العمود الصحفي المخصص لي، ولكنني توقفت مؤخراً عند مجموعة من الحكم البديعة الصياغة وذات الدلالات البليغة العميقة، وغير المستهلكة، وأود لو تشاركونني متعة قراءتها وتمعُّن معانيها:
* إذا لم تكن تعلم إلى أين أنت ذاهب، فكل الطرق تفي بالغرض. يعني إذا كانت سبهللياً ولا تخطط لشؤونك، فكل الطرق تؤدي إلى تورا بورا (وهذه حكمة تؤدي نفس معنى المثل الإنجليزية بأنه «ليس كل الطرق تؤدي إلى روما» باعتبار الوصول إلى روما غاية عزيزة ومشتهاة).
* يوجد دائماً من هو أشقى منك * المهزوم إذا ابتسم أفقد المنتصر لذة الفوز * شق الطريق بابتسامة خير من شقها بالسيف (يعني أي مكسب يأتي بالوجه الهاش الباش يبعث السعادة في النفس أكثر من المكسب المنتزع عنوة). * الابتسامة كلمة معروف بلا حروف (ما أجملها من عبارة فالابتسام لا يكلفك حتى جهد النطق بحرف واحد.
قال الشاعر المهجري الفذ إيليا أبو ماضي: قال السماء كئيبة وتَجهَما/ قلت ابتسم يكفي التجهم في السما/.. ويقول أيضاً حاثاً على التفاؤل والابتسام: كم تشتكي وتقول إنك معدم/ والأرض ملكك والسماء والأنجم/ ولك الحقول وزهرها وأريجها/ ونسيمها والبلبل المترنم/ والماء حولك فضة رقراقة/ والشمس فوقك عسجد يتضرم/ هشت لك الدنيا فمالك باكيا/ وتبسمت فعلام لا تتبسم.
يعني يا صاحبي، أنظر إلى كل هذه الأشياء الجميلة التي سخرها الله لك ولغيرك على حد سواء: فالأرض والسماء والماء والبلابل والزهر والشمس جعلها الله ملكاً مشاعاً، للفقير والغني والسليم والمريض، ولكن هناك من لا يدركون روعة وبهاء تلك الأشياء، ويشكون من الملل ورتابة الأشياء، ولا يدركون أنهم في حالة سفر متواصل، وعلى مدار الساعة حول الشمس متوقفين عند الربيع والشتاء والخريف (حذفت الصيف كي لا أعكنن أمزجتكم).
الجزع عند المصيبة، مصيبة أفدح * كلنا كالقمر «له جانب مظلم»، فلا تحزن لذلك، فالكمال لله وحده * العين التي لا تبكي، محدودة القدرة على الإبصار. * وأنت تعرف أن من راقب الناس مات هماً. بمعنى أنك إذا ظللت تقول: فلان عنده كيت وكيت وأنا لا.. وعلان نال ترقية وأنا «حي الله» ما زلت في الدرجة كذا.. وفلتكانة تزوجت برجل غني وتسكن في بيت فيه 16 غرفة وجاكوزي في كل منها (عندما سمعت بكلمة جاكوزي لأول مرة حسبتها أكلة عراقية أو إيرانية ثم عرفت أنها حوض استحمام عادي «تبقبق» فيه المياه من فتحات كثيرة عديمة الجدوى، فلا تشغل نفسك بما عند الآخرين، بل حاول أن تستمتع بما عندك، وشخصياً «نفسي» أمتلك سيارة حلوة بي ام دبليو أو مرسيدس أو كيين (في رواية أخرى «كيان») ولكنني أعلم أنني لن أشتريها حتى لو ملكت المال الكافي لشرائها وبالتالي فلا أحسد من يملكون تلك السيارات.. الله يخلي لنا اليابان وتايوان وكوريا ودارفور. وتذكر أن من يطارد عصفورين يفقدهما معا.

jafabbas19@gmail.com