منى ابوزيد

في العقل والدين .. !


«إن كنت في أمرين أنت منهما في شك فخذ بالذي هو أوثق».. أنس بن مالك ..!
(1)
العلماء المسلمون الذين يتخذون مواقفاً نظرية متحذلقة من بعض الظواهر التي يرد ذكرها في القرآن أو السنة، ربما يفعلون لأنهم يشترطون أن تدلف تلك الحقائق إلى عقولهم من باب الحسابات المادية المجافية للتفاسير الروحانية، وإن لم تنجح نظرياتهم العلمية في تفسير ظاهرة بعينها تفسيراً دقيقاً، فإنهم ينزلونها من مرتبة علياء إلى درك الخرافة! .. ذلك النزوع المتطرف نحو المادية – والذي يصر العالم المسلم على التشبث به! – نهج مستورد من حضارات وملل أخرى، قد يحدث أن يجتهد بعض المنتمين إليها في حشد النظريات العلمية لإثبات صحة بعض الحقائق التي تدخل في قبيل«الماورائيات» والتي ورد ذكرها في القرآن أو السنة! .. لا توجد نظرية علمية معتد بها ومعوَّل عليها تستطيع أن تفسر حقائق كالعين .. والسحر .. والمس، أو أن تُمنطق الكيفية التي تعمل بها الآيات القرآنية على تحقيق الشفاء التام من تلك الابتلاءات، أو أن تفك شفرة تلك الآلية التي تعمل بها نفس الآيات كدرع أو حصن يقي المسلم شررو بعض الابتلاءات، ولكننا جميعاً نؤمن بالتداوي بالقرآن، وكذلك يفعل كثير من العلماء الملحدين .. فما بال بعض العلماء المسلمين ..؟!
(2)
غرائبية الفتاوى وصدامية أفكارها أصبحت سبباً لبلوغ الشهرة وطريقاً مختصراً لكي يصبح الشيخ المغمور نجماً تتلقف إطلالته مختلف الفضائيات!، وبعد أن كان أهل الإفتاء يرددون العبارات الحذرة على غرار «من قال لا أدري فقد أفتى».. «نصف العلم قول لا أعلم».. و«لا يُفتى ومالك في المدينة».. أصبح شيخ كل حي هو مالكه ومفتيه الذي لا يتحرج عن الانبراء لبيان الحكم في مسألة «غميسة» مثل إرضاع الكبير أو «شائكة» مثل شبهات الربا في بعض أنواع البيوع، ودون أن يطرف له جفن!، بعد أن انتقلت إلينا موضة نجومية الفتاوى المثيرة للجدل، والتي هي ـ كما أراها ـ فتوى من لا يملك لمن لا يستحق! .. في السعودية – ومن باب سد الذرائع – صدر مرسوم ملكي بمحاسبة كل من يخالف شروط الإفتاء الصارمة من العلماء والفقهاء وأئمة المساجد بلا استثناء، وبعقوبة تعزيرية مخيفة تتراوح بين كتابة التعهد والإعدام! .. وهكذا أراحت الحكومة رعيتها واستراحت بعد طول عناء مع بلبلة الفتاوى المربكة، فمتى نرتاح – نحن أيضاً – من حيرتنا مع فتاوى بعض الشيوخ/ النجوم ..؟!
(3)
ذات الرجل المسلم الذي يقدر مواقف السيدة الوزيرة، ويثمِّن آراء الباحثة الأكاديمية، ويحترم قرارات الأستاذة المديرة، قد يقلل من شأن ذات المرأة إذا ما تصادف نصفه الآخر، متكئاً على تفاسيره الأزلية الخاطئة لنص حديث نقصان العقل والدين .. وهكذا تجد ذات المرأة الفاعلة المؤثرة نفسها أمام موقفين متناقضين بطلهما ذات الرجل! .. رجل بعضه يقر بأهمية ومقدرات وجدارة أنصاف الدوائر المكملة لرجال آخرين، بينما يغمط نصف دائرته حقها، بل ويتفنن في تبخيس منجزاتها التي يقدرها ـ بدورهم – رجال آخرون.. وهكذا! .. إلخ .. تُرى متى يكف مجتمعنا هذا عن إنتاج نساء ناجحات مهنياً وتعيسات أسرياً؟! .. اعتقد أنه سوف يفعل إذا أدرك نصفه الخشن أن العقل الذكوري الصرف لا ينتج شيئاً أكثر من العقل الأنثوي الصرف، وأن المرأة – في الإسلام – ليست فأساً، ولا يضير جدارتها أن لا تقطع رأساً ..!