الدين والوطنية
أحد الكُتّاب الصحفيين، كتب أمس، بأن أهل الدين هم من صنعوا البطولات في السودان وليس أهل الوطنية. والرجل (وقع) إذ فصل فصلاً مبيناً بين الدين والوطنية، (وقع) وأراحنا عناء جدل طويل، حيث ظل رهطة من الإسلاميين ينكرون هذا التناقض إنكاراً مُبيناً، وكانوا حينما نقول لهم بأن الوطن يأتي أدنى (سلمهم)، وأنهم يطأونه وهم في طريقهم إلى بوابة الدين، وأن الوطن عندهم يمتد بامتداد العقيدة، لذلك فإن الإسلاميين يمكنهم أن يستدعوا إليه بسهولة ويسر ودون أن يطرف لهم جفن أو يرف لهم رمش داعش والقاعدة بطاقم شديد غليظ يأتون به كازاخستان والشيشان أو حتى من واق الواق، لا يهم، طالما (وطنهم) هو عقيدتهم. وكانوا ينكرون ذلك، ويصرخون فينا صراخاً يكورونه في قيعان حلاقيمهم ويدحرجونه إلى ألسنتهم.
الإسلاميون لا يؤمنون بالوطن بمعناه الحديث المتعارف عليه وفقاً للنظم والقوانين المدنية السائدة في عالم اليوم، هم يقسمون العالم كله إلى دارين، دار حرب ودار سلام، ويجزئون الناس إلى فسطاطين (كفار ومسلمين)، لذلك دائماً ما يفشلون في إدارة الدولة طالما أن فكرة الوطنية (منفية) عن عقولهم وقلوبهم، يعدون الوطن (عتبة أولى) لإنجاز فسطاطهم الكبير، إمبراطوريتهم الدينية العقدية.
الوطن للجميع، بغض النظر عن عرقه ودينه ولونه، والعلاقة بين الوطن والمواطن لا تقوم على (العقيدة الدينية)، وإنما على عقد اجتماعي يكفل للمواطن غض النظر عن دينه، حقوقاً إنسانية ومدنية وقانونية نظير التزامات ومسؤوليات يلزم بتأديتها، وهي معروفة ولا تحتاج إلى شرح وتفصيل.
لذلك، فعندما يضع (الكاتب) الدين والوطنية كـ (متناقضان)، يبدو وكأنه يريد يضع الجميع أمام فكرة واحدة تتلخص في أن الإيمان بالوطن يترتب عليه كفر بالدين، وأن أهل الدين فسطاط وأهل الوطنية فسطاط، الأول هو من يصنع البطولات، لكن ليدافع عن (ماذا؟)، هل عن الوطن أم عن شيء آخر؟ أما الثاني (أهل الوطنية)، فإن لا يصنعون بطولة أبداً بحسب ما يُقرأ من (استخلاصات) الكاتب.
بطبيعة الحال، فإن الوطن، أي وطن، يتكون من شعوب وأفراد وقوميات وإثنيات ذات ثقافات وأديان وعقائد مختلفة، ارتضت وفق عقد اجتماعي أن تتعايش مع بعضها دونما طغيان دين أو ثقافة أو قومية، فالكل سواسية وأحرار، وإلا الحرب والهلال والإهلاك هو الخيار الآخر النقيض للانتماء للوطن. وهذا ما ظلت تفعله جماعات الإسلام السياسي، ما إن تصل إلى السلطة، تضع الوطن أدنى السلم وتسحقه، وكأنه فكرة (كافرة) يجب إقامة الحد عليها.