سعد الدين إبراهيم

ود الشواطين.. الطبيب المداوي


قال لي ود الشواطين.. خلاص اشتريت عدة الشغل الجديد.. نظرت إلى العدة وجدت سماعة وجهاز قياس ضغط وميزان حرارة وبالطو أبيض فقلت له: أنت أصلك داير تشتغل دكتور؟ فقال مبتسماً في خبث: أيوة.. داير اشتغل طبيب.. قلت طبيب مزيف.. قال: أيوة .. ضحكت وتلفت فقال لي: مش في ميكانيكية وعمال اشتغلوا دكاترة وما اكتشفوهم إلا بعد سنين.. فأنا مؤهل أكثر من ديل.. قلت له:- يا زول أنت بي صحك؟ قال: أيوة.. ح أبدأ في مستشفى طرفية كده في حلة (ضبة) وبعدين شوية شوية أجي على المدينة.. قلت: لكن ما ح يكتشفوك وح تدخل السجن.. قال: حلك لما يكتشفوني.. وأنا ذاتي ما ح أديهم فرصة ح أتخارج أول ما أشم ريحة خيانة!
قلت: يا ود الشواطين شوف ليك حركة تانية.. دي خطرة عليك وعلى الناس ذاتم.. العيانين البجوا يكشفوا عندك؟ قال: يا زول آنا عندي خطة أولاً عرفت دوا الملاريا في كل مراحلها.. أي زول يجيني ح أخلي يفحص الملاريا.. لو طلعت بعالجو طوالي بي دوا الملاريا.. طيب لو جاك واحد عيونو واجعاهو.. تدي دوا .. ملاريا.. مالو أقول ليهو الملاريا طلعت ليك في عيونك.. إذا ما أتعالج أحولو لي طبيب عيون!
المشكلة شنو يعني.. قلت له:- أنت ما جادي في الفكرة دي أنت زول عاقل ما ممكن تعمل كده.. افترقنا.. بعد ثلاثة أشهر تقريباً اتصل بي ود الشواطين.. معاك دكتور ود الشواطين.. تعال زورنا في شفخانة (ضبة) وشوف بعينك؟ يا مصدق يا مؤمن ركبت عربيتي واتجهت إلى قرية ضبة.. ودخلت: وجدت كمية من الناس يأكلون طعاماً طيباً.. وسلمت على ود الشواطين .. وتلفت يمنة ويسرى وقلت له: أنت قلبت الشفخانة مطعم.. فقال لي: كدي اتفضل على المكتب.. تعرف أنا لما جيت اكتشفت انو ناس المنطقة دي ما عيانين.. مريوقين.. سألته: كيف يعني قال : جعانين.. فطلبت تبرعات والميزانية كلها جبت بيها أكل .. فراخ.. لحمة.. باسطة.. لبن.. وكده.. يجيني مواطن كحيان.. أقول ليهو أول حاجة ليك كدي امشي أكل ونتفاهم الغريبة معظمن بعد ياكلوا بقولوا ليك صحتنا اتحسنت.. فالحكاية ما عياء ومرض الحكاية جوع لأنهم بياكلوا وجبات ما عندها قيمة ما بتنفع ويمكن تضر تعمل نفاخ.. حيرقان.. نفس مقفولة.. عشان كده بديت بالإطعام. . سألته : أها وبتعالجوا.. فقال: والله واحدين بتعالجو ما قصتم جوعه بس.. وواحدين ما بتعالجوا نفحص ليهم الملاريا.. طلعت ملاريا نعالجهم طوالي.. ما طلعت ملاريا نحولهم لي مستشفى المدينة تقول ليهم شوفوا التايفويد شوفوا اليرقان وكده.. وهسع ناس الحلة مبسوطين مني.. وقالوا: ح يعملوا لي تكريم.. عُدت من حلة (ضبة) وأنا في حيرة من أمري.. هل أبلغ عنه.. هل اهدده.. المهم تناسيت الموضوع بعد اسبوع اطل على ود الشواطين وقال لي: تعرف زهجت قررت استقيل.. هسع خلاص أنا حُر وكلمت ناس الحلة.. وعاملين لي بعد بكره حفلة وداع لازم تحضر.. فعلاً ذهبنا إلى الحفل وهاك يا خطب ومدح وتقدير لي دكتور ود الشواطين وفي الختام منح ود الشواطين شهادة تقديرية وودعه شيخ الحلة وهو يداري دموعه.. وين تاني نلقى دكتور ود حلال وفاهم شغلو زيك.. ح تفرق معانا لكين الحكومة ما ح تريحنا وتجيب لينا دكتور زيك.. وودعه بالأحضان وسط تصفيق الأهالي ووسط دهشتي وحيرتي وعذابي.