جعفر عباس

وصرت صاحب دولة


حلايب منطقة في شمال شرق السودان وجنوب شرق مصر يتنازع البلدان حول ملكيتها، وهي أرض مازالت على الحالة التي كانت عليها منذ أن فطر الله السموات والأرض، وبالتالي فإنها ملك فقط للناس الذين يدخلون الحياة ويخرجون منها «ربي كما خلقتني». فقد ظلت موجودة على كوكب الأرض لملايين السنين، وجاء القرن الـ20 وهي لا تعرف الكهرباء أو التلفزيون أو جدول الضرب أو التلفون، وفجأة بدأ السباق لتزويدها بتلك البدع على أمل أن تترك هذه الدولة أو تلك بصماتها عليها، لتعزز دعاواها بملكيتها.
ولكن وجدتها، فلم يطمع الطامعون في حلايب إلا لأنها خالية من السكان، وسأعمل خلال الفترة المقبلة على تهجير وتوطين مستحقي الإقامة فيها من المصاروة والسوادنة، بشرط أن يلقي كل واحد منهم بجواز سفره السابق في البحر الأحمر. والأهم من كل ذلك أنني سأعطي أبناء وبنات قطاع غزة حق الإقامة في حلايب.. لماذا؟ منذ أن نالت غزة «استقلالها» ونحن نسمع أنها تعاني من انعدام الخدمات الأساسية، فلا يوجد بها صرف صحي، أو مياه صالحة للشرب، وبحرها ملوث، وهواؤها يحتوي على نسبة ضئيلة من الأكسجين. وباختصار، فالأحوال في غزة لا تسمح باستمرار الحياة البشرية. والأهم من كل هذا أن قطاع غزة أصغر من أن يستوعب جميع الغزاويين إذا فكروا في العودة إليه، وفوق كل هذا، ولسر لا أعرفه، فإنّ معظم أصدقائي الفلسطينيين غزاويون.
وبصراحة أكثر، فإنّ العرض الذي أقدمه للغزاويين لا يخلو من «الانتهازية» فحقيقة الأمر أنني بحاجة إليهم للدفاع عن استقلال حلايب، وبما أن جمهوريتي هذه تتميز بكثرة الجبال والصخور، وبما أن الغزاويين أفضل من يستخدم الحجارة فإنني في حاجة ماسة إلى مهاراتهم «لتطفيش» القوى الإمبريالية من حلايب، ولكن بشرط أن يكتب كل واحد منهم تعهداً بأنه لن يستخدم الحجارة في يوم من الأيام ضدي، وبشرط ألا يطالبوا في يوم من الأيام بحكم «ذاتي» أو «موضوعي».
وربما كان من الأصوب أن أسمح للغزاويين بازدواج الجنسية، من دون سائر سكان حلايب، بحيث يتسنى لي إبعاد كل من يتطاول منهم على سلطتي إلى وطنه الأصلي،… إذا صار له «وطن».
ولابد لي أيضاً من تذكير جماهير حلايب الوفية بأن جمهوريتنا ستظل «ربي كما خلقتني».. يعني لا كهرباء ولا فيديو، ولا مجاري، ولا «يحزنون»… كل واحد من السكان «يدبّر حاله». لا تصدقوا أكاذيب القوى الإمبريالية عن وجود نفط وغاز في حلايب. واقع الأمر أنه لا توجد في حلايب إلا كميات هائلة من الطاقة الشمسية، لأنّ فصل الصيف في حلايب يستمر 364 يوماً. والربيع نصف يوم، والشتاء نصف يوم، والخريف 9 أيام لأنّ السنة في حلايب تتألف من 374 يوماً لأننا لا نؤمن بالثقافة «المستوردة».
ولدينا في حلايب أشهر تتألف من 33 يوماً، وشهر فبراير يتألف من 32 يوماً لا تزيد ولا تنقص، فالسنوات في حلايب كلها «كبيسة» مثل سكانها، ولأننا نتعاطف مع قوى الشعب العامل فإنّ الأسبوع في حلايب سيتكون من خمسة أيام وعليه يصبح اسمه «الخموس» والهدف من هذا أن ينال الشعب عطلة مرة كل خمسة أيام ليتمكنوا من تقديم فروض الولاء والطاعة إلى مقام حضرتنا في فترات متقاربة، وسيكون ذلك عبر شبكة كمبيوتر عملاقة تعمل بالطاقة الشمسية ليتسنى لكل مواطن أن يعبر من خلالها عن التفافه حول قيادتي الملهمة من دون الحاجة إلى النزول إلى الشارع والتعرض «للبهدلة» على مرأى من أفراد أسرته عندما يردد هتافات بلهاء (بالروح بالدم..)، لا داعي لذلك. ضغطة واحدة على زر «نعم» في الكمبيوتر تكفي لأعرف أن الجماهير تبايعني يوماً بعد يوم!.

jafabbas19@gmail.com