جعفر عباس

اختاروا الاشتمالية أو الرأشمولية


تناقلت الصحف حكاية المرأة اليوغندية التي نفق/ مات زوجها فترملت وتبهدلت، ولأنها كانت تحبه كثيراً فقررت أن تأكله. وقد كان. أي أكلته بالفعل، ولم تترك منه إلا الرأس، وقبل أن تنالها ألسنة السوء، أبلغت الأرملة الشرطة أنها أكلت جثة الزوج بناء على نصيحة والده. يعني أبو الزوج الميت هو الذي أوعز إليها بالاستفادة من لحمه قبل أن يتلف حتى تنتقل جيناته إليها. يعني في نظر الوالد، كانت الزوجة أولى بلحم زوجها من ديدان الثرى.
وبالطبع سيقول المتحذلقون والمتنطعون والمتفلسفون إن ما فعلته تلك المرأة ضرب من البربرية، فما رأي هؤلاء في اختفاء بضعة ملايين من الكلاب في الصين بعد أن فرضت الحكومة ضريبة عليها، وتلك الكلاب لم تهاجر إلى هونغ كونغ أو كندا، بل اختفت لأنّ أصحابها أكلوها. كانوا عمليين: إما دفع الضرائب وإما السماح للشرطة بقتل الكلاب، وفي كلتا الحالتين كانت الكلاب «ستروح أوانطة»، فلم يكن من سبيل أمامهم سوى أكلها. وهنا أيضاً سيقول الناس إن تلك ممارسة بربرية، أما عندما يعد الفرنسيون الشوربة من سيقان الضفادع فإنّ ذلك لا ينفي أنهم سادة التحضر والتمدن!
وأذكر كيف أن مصنعاً للأحذية في مصر واجه أزمة في السيولة النقدية فأعطى العاملين نصف رواتبهم نقداً.. كاش داون.. والنصف الآخر «جزم.. جوتي.. شوز»، يعني على سبيل المثال من الممكن أن رئيس العمال تقاضى 200 جنيه نقداً مع 4 أزواج أحذية برباط وثلاثة أزواج صندل و4 أزواج شباشب.. المشكلة هي أنه لو كان انتاج المصنع قابلاً للتسويق لما عانى المصنع أصلاً من نقص السيولة.
وما هو أخطر من ذلك أن ظاهرة الارتداد إلى المقايضة، في زمن أصبحت فيه البطاقات الإلكترونية تقوم مقام النقود، في زمن كهذا يذهب الناس إلى السينما في سيبيريا حاملين معهم البيض، ويدفعون بيضتين مقابل تذكرة المقاعد الشعبية، وقياساً على هذا فإنّ يريد مقعداً في الدرجة الأولى يجب أن يدفع القيمة دجاجة عالية الخصوبة، أما المقصورة الفاخرة «بلكون» فقيمتها تيس ذو كفاءة عالية وسليل حسب ونسب
وسيبيريا هذه تضم مخزوناً هائلاً للبترول والغاز الطبيعي، وهي جزء من جمهورية روسيا التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي الذي كان يحمي الأيتام من أمثالنا من بطش واشنطن، الذي فككه وفتفته ذاك الموسوم بـ «شامة» قبيحة على أم رأسه، ميخائيل غورباتشوف.. لعنة الله عليه وعلى خليفته بوريس يلتسين الذي فتكت به الفودكا فأراحتنا من طلعته القميئة ثم جاءنا القبضاي بوتين قطع الله منه الوتين فمنذ نحو اسبوعين بدأت طائراته تدك معاقل طالبي الحرية من نظام فشار الأسد.
لقد أصبحت مقتنعاً تماماً بأن الاشتراكية لم تكن كلها شراً كما يذيع الذين شهروا سكاكينهم بعد سقوط الثور الاشتراكي، فلا بدَّ لكل أمة من جرعة قوية من الاشتراكية لحماية الفقراء دون تحويل الشعب كله إلى فقراء فإذا أضفنا إلى الاشتراكية جرعة من الرأسمالية تكفل التنافس الحر، نكون قد توصلنا إلى نظرية الاشتمالية التي كان لي شرف إعدادها وإخراجها وإنتاجها، ويطيب لي أن أعلن عن بيع حقوق استخدام تلك النظرية لمن يرغب بشرط أن يكون الدفع نقداً.. يعني «بيض» لا.. وجزم، يفتح الله.. وبصراحة فإنني لا أحبذ بيع هذه النظرية للدول الغلبانة لأنها جميعاً تؤمن بـ «الرأشمولية» وهي الرأسمالية في ظل نظام شمولي، ولا بدَّ أن أعترف على مضض بأن الرأشمولية أثبتت نجاحها في الكثير من البلدان حيث تعزز مركز الرأسماليين بينما «شملت» الدولة بقية قطاعات الشعب برعايتها بأن وضعتها تحت عينها التي لا تغمض!

jafabbas19@gmail.com