جعفر عباس

هذا هو اللص الشريف حقاً

وقع لص في قبضة الشرطة في تونس، وحقيقة الأمر هي أنه تسبب في أن صار رهن الاعتقال، بعد ضبطه داخل بيت اقتحمه بغرض السرقة، أتمنى لو أنني حصلت على عنوانه لأنظم حملة للإفراج عنه، بل وجمع بعض المال له، ليحل مشكلاته المالية، فقد كان ذلك الشاب غارقاً في الديون وفشل في الحصول على المال اللازم بكل الوسائل الشريفة، فاستسلم لإغراء «المال السهل»، فالحصول على المال بأساليب غير مشروعة، قد يكون في منتهى السهولة، تقتحم بيتا وأهله غائبون أو نائمون وتسرق أشياء ثمينة… تضع توقيعك أو توقيع غيرك على ورقة وتحصل على أموال طائلة.. يكلفونك بالإشراف على مشروع فتضع جانبا من مخصصاته في جيبك.
نعود إلى الشاب التونسي الذي وضع خطة لكسر نافذة أحد البيوت بغرض سرقة محتوياته ونجحت الخطة ودخل البيت من دون أن يحس به أحد من سكانه الخمسة، ومشى اللص على أطراف أصابعه، كي لا يستيقظ أصحاب البيت ولكنه اصطدم مصادفة بجسم صلب، سقط محدثاً دوياً هائلاً، ولكن ذلك لم يوقظ أصحاب البيت فاحتار اللص الهاوي: يا جماعة إني أرى داخل الغرف خمسة أشخاص ممددين، فهل يعقل أن يكونوا جميعا سكارى؟ هذا احتمال ضعيف لأني أرى أن اثنين منهم ذوو أحجام صغيرة مما يعني أنهم أطفال وليس من المنطقي أن يكونوا سكارى.
توقف اللص لبعض الوقت متوجسا، وانتبه فجأة إلى أن هناك رائحة غير طبيعية في البيت، وسرعان ما أدرك أنها رائحة غاز، واستنتج أن أصحاب البيت دخلوا في غيبوبة بعد أن استنشقوه وهم نائمون. هنا لم يتردد اللص في فتح نوافذ البيت وإغلاق أنبوب الغاز، ثم شرع في تقديم الإسعافات لأصحاب البيت. نسى ديونه ونسى أن وجوده في البيت (جريمة) حتى لو لم يسرق منه شيئاً.
ولأنه كان لصا هاويا، لم يتردد في طرق باب الجيران طالباً منهم استدعاء الإسعاف، فجاء المسعفون ومعهم الشرطة ونجا أفراد تلك العائلة من موت محقق، وسألت الشرطة الشاب عن علاقته بالعائلة فقال من دون تردد أنه دخل البيت بغرض السرقة، ولكنه فوجئ بسكانه في حالة غيبوبة فصرف النظر عن السرقة، وقرر بذل كل جهد ممكن لإنقاذهم رغم علمه أن ذلك سيؤدي حتماً إلى اعتقاله.
حكاية هذا الشاب يجب أن تذكرنا بأننا كثيراً ما نقسو على أناس ارتكبوا جرائم وأخطاء في لحظات ضعف، فنظل ننظر إليهم باحتقار، ولا تتغير نظرتنا إليهم حتى بعد أن يتأكّد لنا أن الواحد منهم ارتكب هفوة واحدة وتاب وثاب إلى رشده وندم واستغفر.
الله يعفو ويغفر كل الذنوب (إلا أن يُشرك به)، أما نحن فإذا قررنا أن فلاناً (حرامي) فإننا لا نسقط ذلك اللقب عنه مهما استقام. ألا ترون معي أن ذلك الشاب التونسي – في التحليل الأخير – شخص نبيل بدليل أنه عندما ووجه بموقف إنساني قرر التضحية بحريته – أي قرر أنه يستحق العقاب – لإنقاذ حياة خمسة أشخاص كانوا من المفترض أن يكونوا ضحاياه.
الفقر والدَين جعلا من ذلك الشاب (مشروع مجرم)، وقد عفا عنه القاضي بعد أن تنازل من أنقذ حياتهم عن الدعوى، ولكنه سيظل فقيراً ومديوناً، وبالمقابل دخل مطرب مصري اسمه تامر حسني السجن بعد تزويره أوراقاً تثبت أنه جامعي (وهو ليس جامعياً) وأنه أدى الخدمة العسكرية الإلزامية وهو لم يؤدها، وفي مواقع مهمة في القاهرة ارتفعت ملصقات عليها عبارة «وحشتنا يا تامر»، وقيمة كل ملصق 100 ألف جنيه.
ولعل بعضكم يذكر ما كتبته هنا عن تلك السيدة التي طلقها زوجها بعد أن رفضت خلع ثياب الحداد السوداء إلى أن يخرج تامر من السجن. قيمة ملصق تامري واحد ربما كانت ستمنع ذلك التونسي من الوقوع في الخطأ.

jafabbas19@gmail.com