عبد الجليل سليمان

بوتين.. الساحر في سوريا (1-2)

كنتُ كتبت في السادس من مارس 2014م في هذه المساحة، إحالة إلى مقال كان كتبه جورج طرابيشي في ملف تيارات بيومية الحياة اللندنية العدد (13819) الصادر في 14 يناير 2001م، تحت عنوان (الصعود الغامض لفلاديمير بوتين)، أشار فيه إلى أن بوتين المولود في سان بيترسبورغ في 7 تشرين الأول أكتوبر 1952، كان لا يزال موظفاً شبه مغمور في القسم الخارجي من جهاز المخابرات السوفياتية حيث خدم في ألمانيا الشرقية إلى أن قدّم استقالته منه في 1980م، بعد أن بات متيقناً من أن النظام الاشتراكي القائم لا مستقبل له، وأن انهياره وشيك. وأنه على امتداد السنوات التسع الفاصلة بين استقالته من جهاز المخابرات وبين تسنمه رئاسة آخر وزارة في عهد (يلتسين)، كان اسمه لا يزال مجهولاً تماماً على الصعيد الشعبي، وأضاف طرابيشي في مقاله المشار إليه أن بوتين وبعد استقالته عاود تسجيل نفسه في الجامعة ليحصل على شهادة الدكتوراة في الحقوق ثم شغل مدير مكتب رئيس بلدية سان بيترسبورغ، السيد (آناتولي سوبتشاك) الذي برز مطلع التسعينيات كواحد من أشهر الديمقراطيين الروس. وفي 1996 استدعي بوتين إلى موسكو للعمل في إطار الجهاز الإداري للرئيس يلتسين. ثم كان أول تطور كبير مفاجئ في حياته المهنية والسياسية معاً عندما أصدر يلتسين – الذي كان “يحرق” بسرعة قياسية كبار الموظفين العاملين معه – مرسوماً بتسميته مديراً لجهاز أمن الدولة.
كان ذلك في 24 يوليو 1998، وكان بوتين لا يزال في السادسة والأربعين من العمر. ومن أصغر رئيس لجهاز أمن الدولة صار أصغر رئيس للوزارة، ثم أصغر رئيس للدولة الروسية بعد فوزه بغالبية 52 في المئة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية في 26 مارس 2000، وهو لما يتجاوز الثامنة والأربعين.
هذا الصعود المباغت أصبح مرتكزاً جيداً وخصباً لانطلاق الشائعات الموغلة في الخيال واللاعقلانية، وليس من قبيل الصدفة، من هذا المنظور، أن يعاود اسم راسبوتين ظهوره بإلحاح: فهذا الراهب المشعوذ والمتهتك جنسياً الذي لعب دوراً خارقاً للمألوف في التفسير الشيطاني لسقوط الحكم القـــيصري وإبـادة آل رومانوف على أيدي البلاشفة مطلع القرن الماضي، عاد شبحه يخيم على مسرح الأحداث السياسية في مخـتتم القرن ليقدم تفسيراً شيطانياً تالياً للصعود المباغت لفلاديمير بوتين.
هذا التفسير ظل رائجاً في الدوائر العليا للسياسة في موسكو كما في الأوساط الشعبية، وهو يقول: بوتين حفيد لراسبوتين، وصحيح أنه ولد في مدينة سان بيترسبورغ، لكن أسرته قدمت إليها في مطلع القرن من بلدة بوكروفسكايا في سيبيريا الغربية. ذات البلدة هي مسقط رأس راسـبوتين. علاوة على هذا “التفسير” الذي يقول بصورة ضمنية إن بوتين فرض نفـــسه بقوته النفسية الخارقة على يلتسين وأسرته، تماماً كما كان فعل راسبوتين عندما أوقع في أسر قوته الشيطانية القيصر نيقولا الثاني وزوجته آلكسندرا فيودوروفنا، هناك تفسير آخر يعزو الصعود المفاجئ لبوتين، لا إلى تدخّل قوة نفسية موهومة.