الطاهر ساتي

أبرد شوية


:: ومن الظواهر السالبة، ظاهرة إستغلال الأطفال في التسول..وكل القوانين، وكل الأنظمة، وكل المنظمات، تكافح هذه الظاهرة المسماة بالجريمة المزدوجة ..نعم تسول القادر على العمل جريمة، وكذلك إستغلاله للطفل في تسوله هذا جريمة أخرى..وكما تعلمون، لا يلجأ المتسول إلى إستغلال الطفل إلا ليخدع عواطف الناس ومشاعرهم..وما يحدث للملقب – إعلامياً – بطفل الساعة ليس بجريمة، ولكنه يرتقي بأن (ظاهرة سالبة)..!!
:: وكتبت يوم وقوع الحدث، صنع أحمد ساعة رقمية تكاد تكون بذات شهرة ساعة ( بيج بن )..والساعة الرقمية لم تشتهر بجودتها، ولكن بما حدث لمخترعها الصغير (13 عاماً).. بالإشتباه في الساعة، إنتهكت إدارة المدرسة و شرطة تكساس بعض حقوق هذا الطفل، ليناصره العالم، وقبل العالم ناصرته وسائل الإعلام الأمريكية .. وقلت أن في الحادثة أكثر من درس لأولى الأبصار والبصائر، ولكن للأسف دول العالم الثالث – والأخير طبعا- آخر من تتعلم..!!
:: المعلمة التي سمعت رنين الساعة الرقمية وإشتبهت في شكلها ورنينها ثم بلغت الشرطة لم تتجاوز قوانين بلادها ولم ترتكب خطيئة.. بل عكست بصرفها هذا حرصها على سلامة مدرستها وتلاميذها.. فالحس الأمني – والإحساس بان الأمن مسؤولية الجميع – نوع من الوعي المفقود في مجتمع العالم الثالث ( والأخير طبعا)، ولذلك يستنكر هذا المجتمع اللامبالي تصرف تلك المعلمة المسؤولة عن سلامة المدرسة و تلاميذها.. !!
:: وكذلك الشرطة، فأن إجراءاتها الوقائية – و إن كان تقديرها خاطئاً – تؤكد مهنيتها وجديتها وسرعتها في التعامل مع المخاطر التي تهدد حياة الناس ..وأحمد لم يدفع ثمن إختراعه لساعة رقمية (إعتقالاً) كما يتوهم البعض، ولكنه دفع ثمن الإنتماء لأمة صارت تُولد الإرهاب وتُفرخ التطرف وتوزعهما في (المجتمعات الآمنة)، حتى صار أي مسلم متهما بالإرهاب والتطرف حتى يثبت براءته.. فالإرهاب فوبيا المصاب به الشعب الأمريكي ليس بذنب أحمد، بل ذنوب الأنظمة والعشائر التي ينتمي إليها أحمد و( مليار أحمد).. !!
:: والمهم..بعد خطأ التقدير الشرطي، تجلت العدالة والحرية في أجمل صورها.. في أمريكا ذاتها، وليس في دول العالم الثالث ( و الطيش طبعا)..الرئيس الأمريكي – شخصياً – إعتذر لأحمد تلميحا ودعاه لزيارته في البيت الأبيض، وأكد دعمه لعبقرية أحمد وحفزه معنوياً..وكذلك إنتقد الإعلام الأمريكي التقدير الشرطي الخاطئ بمنتهى الشجاعة والنزاهة والحياد..لم يكابروا كما يفعل إعلام العالم الثالث، ولم يناصروا الظلم بالأكاذيب والتبريرات .. وإنتصروا لأحمد وناصروه في قضيته ..!!
:: ولكن يبدو أن لوالد الطفل أحمد ( أجندة أخرى)، غير قضية الطفل..محمد الحسن الصوفي، والد الطفل والمرشح الرئاسي الخاسر، يبدو على سطح هذا الحدث كالضيف الذي زار إحدى القرى وكان أهلها يبحثون عن هلال رمضان فبحث معهم و وجده، فصفقوا له، فأنتشى ثم أشار ( داك كمان هلال تاني)..أوكما يقول مثلنا الشعبي ( كتًر المحلبية)..ليست من الحكمة أن يحمل الوالد طفله ويتجول به من عاصمة إلى أخرى كشعلة الأولمبياد، وخاصة أن كل السلطات هناك ردت للطفل إعتباره وإعتذرت له ..!!
:: نعم، فالوالد يمضي بقضية طفله – بتهريج – إلى عوالم أخرى.. وهذه العوالم – السياسية والعقائدية – قد تتسبب في تبخر كل تلك المناصرة، وقد تجلب التشكيك إلى جذور القضية لحد وصفها بأنها ( مصنوعة)..وهكذا بدأت الحملة المضادة – حالياً – في ذات وسائل الإعلام التي ناصرته.. وعليه، من أجل حاضر الطفل ومستقبله، إن كان في الأهل والأصدقاء والمعارف رشيد، فليهمس في أذن الوالد ناصحاً بلغة الشباب : ( ياخ أبرد شوية)، و إذا زاد الشئ عن (حده) فلاتتوقع غير أن ينقلب إلى ( ضده)..!!