الهروب بالمقلوب
بين المشاركة في الحوار والمشاركة مع النظام.. الفكرة ملتبسة تماماً في أذهان الكثيرين ويزيد من التباسها احتفاء الحكومة الكبير بالقادمين إلى الحوار وبالمشاركين فيه وسعيها الحثيث لإقناع الأطراف المختلفة بالمشاركة في الحوار.
وهذه ضريبة يدفعها دائماً صاحب المبادرة بأنه يتحول في مخيلة الآخرين من طرف أساسي من أطراف طاولة الحوار إلى طرف ووسيط بينه وبين الآخرين في نفس الوقت.
ولا يوجد حوار لا فائدة منه إطلاقاً فحتى تلك الأنواع والتصنيفات للحوارات الموصوفة بأنها حوارات سلبية تكون الفائدة على أقل تقدير منها هي القدرة على الحكم عملياً وموضوعياً على هذا الحوار ووصفه بأنه حوار سلبي، وهذا لا يتم إلا بعد الموافقة المبدئية على المشاركة في الحوار والاتفاق على شروط موضوعية لإقامة هذا الحوار على أسس علمية معروفة للحوار مثل الرضا والقبول بنتائجه والالتزام بتنفيذها وكذلك الابتعاد عن الحوار السلطوي أو المتسلط الذي يلغي فيه طرف رأي الآخر أو يسفهه، أو ذلك الحوار العدمي التعجيزي الذي يجلس فيه المتحاورون بهدف الوصول إلى طريق مسدود، وغيرها من أنواع الحوارات السلبية الهدامة .
مع العلم بأن جزءاً كبيراً من هذه الأنواع السلبية من الحوارات تكون الحكومة أو السلطة في أي مكان هي الحريصة على تجنبها وبالتالي كان من حق السلطة أيضاً أن تشترط على الطرف المعارض لها حين يرغب في الحوار أن لا يأتي إلى الطاولة مناوراً أو معجزاً أو متعاكساً مع منطق الأشياء أو عدوانياً في لفظه وطرحه ومنطقه .
لذلك فإن حديث الأستاذ يوسف الكودة مهم جداً وهو يستعجب من محاولة فهم المشاركة في الحوار على أنها مصالحة مع من تجلس لتحاوره .
ففي الكثير من الحالات المشابهة في دول أخرى تنتظر المعارضة لحظة قبول السلطة بالجلوس معها على طاولة حوار.. وتتحداها بأن تقبل بطاولة حوار بينهما وتنتظر موافقتها على أحر من الجمر حتى تأتي وتقيم الحجة وتطرح أفكارها ومشروعها أمام الناس وتحرج السلطة نفسها بقوة منطقها وسلامة موقفها .
وفي هذه الحالات تتهرب السلطة الظالمة من القبول بالحوار مع المعارضة وليس العكس بل نجد في الكثير من الدول من حولنا قيادات المعارضة تشكو أنظمة الحكم للقوى والمنظمات الدولية وتتهمها بأنها لا تريد أن تجلس معها في طاولة حوار شفاف وموضوعي مع الالتزام والاتفاق على تنفيذ مخرجاته النهائية، لكن لأول مرة نجد معارضة ترفض هي مبدأ الجلوس مع السلطة التي تعارضها على طاولة الحوار من الأساس.. هذا أمر غريب جداً .
لذلك لا يجد موقف الجبهة الثورية وقوى المعارضة الممتنعة عن المشاركة في الحوار، لا يجد حماساً في التعاطف أو المساندة الكبيرة له على المستوى الإقليمي أو من المجتمع الدولي بشكل كامل، فقد تقتنع بعض الدول بحجج المقاطعين لكن الكثير منهم يعتبر أن الحوار على أي حال هو خيار موضوعي وفرصة مهمة لاغتنامها ومناقشة القضايا الخلافية في الواقع السياسي السوداني .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.