بالدبارة والبصارة والفطانة وليس الرجالة.. الرجالة تطير
وصلاً لتعليقنا بالأمس على تصريح مولانا كمال رزق الفطير الذي ذهب فيه الى أن الحوار مع الحركات يعد عدم رجالة، نواصل اليوم التأمل في مفهوم (الرجالة) عندنا كسودانيين بكل ما لهذا المفهوم من انعكاسات وتأثيرات على حياتنا العامة وشؤوننا العامة والخاصة، وهنا أذكر حكايتين متناقضتين، الحكاية الأولى حاول صاحبها أن يدحض مفهوم الرجالة الذي قرّ وتوطن في عقول الغالبية الغالبة من الرجال السودانيين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية والاقتصادية ومستوياتهم التعليمية بل وعند الكثير من النساء كذلك، والحكاية الثانية تجسد الى أي مدى يمكن أن يتسبب هذا المفهوم في أذى صاحبه وكلا الحكايتين حقيقيتان.
الحكاية الأولى لشاب كان قد صور نفسه وهو جالس أمام صاج وبين يديه قرقريبة وهو منهمك بهمة يعوس الحلو مر، ثم دفع بصورته هذه الى “فيسبوك”، وكان أن حصدت صورته هذه كماً مهولاً جداً من الشتائم والتعليقات الساخرة عليه والمعيبة لفعلته، وبعد أن أفرغ عليه الشانئون والشاتمون أطنان الشتائم المقذعة حتى كلوا، عاد هذا الشاب للظهور مجدداً على صفحته بادئاً بالتعريف بنفسه بأنه فلان ابن فلان، ثم معرفاً بقصده من هذه الصورة التي جلبت عليه السخط والمقت، فكتب يقول إن هذه الصورة لن تقلل من رجولته شيئا، وأنه ما قصد منها إلا أن يبعث عبرها برسالة لمن يهينون المرأة ويمتهنون كرامتها ويحطون من إنسانيتها، فحواها أن المرأة لم تخلق لتكون فقط خادمة مطيعة لسي السيد الرجل، وقال الرجولة ليست هي أن تجبر أختك الصغرى على غسل ملابسك وأنت جالس تشاهد التلفزيون!! وليست هي أن تذهب أمك إلى الدكان وأنت نائم حتى منتصف الظهيرة تحت المكيف، ثم ختم قائلاً بالحرف إن كانت هذه هي الرجولة يشرفني أن لا أكون رجلا.. أما الحكاية الثانية فتقص عن ذلك السوداني الذي استل سكينه من ذراعه وطعن بها نفسه تعبيراً عن احتجاجه القوي على قرار أوكامبو؛ الرئيس السابق للمحكمة الجنائية الدولية، بحق الرئيس، وقد كان ذلك في إحدى مناطق دارفور قبل عدة سنوات عندما كان الرئيس يخاطب حشداً هناك، الأمر الذي اضطر بعض كبار مرافقي الرئيس من النافذين لترك الاحتفال والانشغال بإصابة هذا الرجل ومحاولة إسعافه بأعجل ما تيسر ونقله جواً إلى الخرطوم لإجراء عملية عاجلة له على يد كبار الاختصاصيين، وعلى ذلك قس كثيراً من التصرفات و(الهوشات) و(الهوجات) التي نسميها رجالة ونفاخر بها ونباهي رغم أننا أول من يتضرر منها ويدفع ثمنها غالياً، وهذا والله نوع من الرجالة ينافس حماقة أبو الدقيق البلاد في غنى عنه، وإنما حاجة البلاد تظل ملحة لأساليب الدبارة والبصارة والفطانة والكياسة وليس الى هذا النوع من الرجالة التي تجلب عليه المزيد من الأزمات والمشكلات.