مصطفى أبو العزائم

أكتوبر (21).. يا صحو الشعب الجبار


تلقيت فجر الأمس (فيديو) مصورا لأشهر الأناشيد الأكتوبرية في الذكرى الحادية والخمسين للثورة الشعبية العارمة التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل الفريق إبراهيم عبود- رحمه الله-, (فيديو) يؤدي فيه عدد من الشباب من الجنسين تابلوهات راقصة في أحد المسارح على أصوات أبطال الملحمة وألحانها, وقد كانوا حضوراً في جانب النظارة من المسرح, يشاهدون إبداعهم الفني الشهي, ويستمعون إلى أصواتهم القوية البهية, وتسيل دموعهم التي تفجرّت أول ما تفجرّت في عيني المطربة الكبيرة (أم بلينا السنوسي) ثم تسيل بعد ذلك الدموع في أعين المطرب والفنان والموسيقار الكبير صاحب الملحمة الأستاذ محمد الأمين, وتجري الدموع بعد ذلك من عيني الفنان الراحل خليل إسماعيل, ولم يكن هناك وجود مادي للفنان الكبير عثمان مصطفى، وإن كان صوته حاضراً يجلجل ويهز خشبة المسرح وفضاءاته الممتدة.
الملحمة واحدة من إبداعات صديقنا الشاعر الكبير والدرامي الخطير الأستاذ هاشم صديق, كتبها ولم يتجاوز عمره التاسعة عشر بعد.. وكانت دليلاً على موهبته المتفجرة التي تمددت في كل المشهد الشعري والإبداعي في السودان.
تلقيت ذلك الفيديو, وتأثرت, وأعدت إرساله لعدد من الأصدقاء في مجموعات التواصل الاجتماعي, وعلقت عليه قائلاً: (كل عام وأنتم بخير.. غداً ذكرى أكتوبر.. أرجو ألا تسيل دموعكم عند مشاهدة هذا الفيديو).. فجاءني رد من أحد الشباب يتساءل: (ولماذا الدموع؟) رددت عليه: (تأثراً بدموع المطربين المبدعين).. وحزنت لأن كثيرين ما عادوا يهتمون بذكرى أكتوبر, حتى الحكومة ما عادت تحفل بها, وأصبح كل كيان وتنظيم وحزب و(شخص) يدعي أنه بطلها الأول, وأنه لولا تحركه واجتماعاته وتحريكه للآخرين لما كانت هناك ثورة, ولما كان هناك نصر.. (!)
الشواهد على ذلك كثيرة, وأغفل الجميع دور البطل الأول في صناعة التغيير.. الشعب السوداني البطل, الذي هزّ الشجرة فجاء الآخرون والتقطوا الثمار.
لم نعش أكتوبر 1964م كما عاشها الكبار.. كنا أطفالاً لكن ما شاهدناه في الشوارع من مظاهرات ما زال صدى هتافاتها يتردد في الذاكرة حينما نستدعيه, وأخذت الأحداث تترسخ في عقولنا عاماً بعد عام عندما يحتفل السودانيون بذكرى الثورة الشعبية التي بهرت العالم, ونجحت، ليفشلها السياسيون لاحقاً.
في ذكرى أكتوبر دعونا نحيي ذكرى الشهداء, (القرشي) و(بابكر عبد الحفيظ) و(حران) وغيرهم.. دعونا نحيي أنفسنا وذلك الجيل البهي.. بمبدعيه وفنانيه وشعرائه, ومنهم أستاذنا الكبير فضل الله محمد, أحد القيادات الطلابية في جامعة الخرطوم وقتها، وكان من مؤسسي تنظيم حمل اسم (الديمقراطيون الاشتراكيون) مع مجموعة من الطلاب، منهم إسماعيل الحاج موسى وحسن عابدين وعبد الرحمن الخانجي وغيرهم.. وقد تم اعتقال الطالب فضل الله محمد بعد اندلاع الثورة مع آخرين، وإطلاق سراحهم في الثامن والعشرين من أكتوبر, ليخرج وهو يحمل معه كلمات أنشودة من أجمل ما كتب عن أكتوبر, وهي: (أكتوبر 21) التي أهداها لابن مدينته الفنان الصاعد محمد الأمين حمد النيل، الذي تلقفها كأنما كان ينتظرها، وسرعان ما أطلقها أغنية وطنية خلدت, قال في مطلعها:-
أكتوبر واحد وعشرين
يا صحو الشعب الجبار
يا لهب الثورة العملاقة
يا ملهم غضب الثوار
***
من دم القرشي وأخوانو
في الجامعة أرضنا مروية
من وهج الطلقة النارية
أشعل نيران الحرية
بارك وحدتنا القومية
وأعمل من أجل العمران.
* ثار الشعب وغير نظام الحكم, وعاد الساسة يتصارعون على الكراسي ولم يصلحوا نظام الحكم.. وظلت المفاهيم هي ذات المفاهيم.. والحرب في بلادنا تشتعل نيرانها منذ الاستقلال.. على كل حال.. كل عام وبلادنا بخير.