نحنا ما صعاليك نعاين بالشبابيك
في زمان ماض شاعت أهزوجة كان يرددها الشباب يقول مطلعها الذي أسعفتني به الذاكرة (نحنا ما صعاليك أوووو دشكا.. نعاين بالشبابيك أوووو دشكا)، وتقديري أنها ليست أهزوجة هابطة وليس فيها ما يعيبها، بل على العكس فهي – كما ترون – تستنكر عدم احترام الخصوصية وتدعو الى إتيان المنازل من أبوابها وعدم تسورها أو التلصص عبر شبابيكها.. هذه الأهزوجة المندرسة تداعت الى ذاكرتي عند وقوفي على سيل التعليقات التي أعقبت نشر الحوار المتميز الذي أجرته رئيسة تحرير صحيفتنا (التغيير) مع الباحث المتعمق د. حيدر إبراهيم، وقد حصدت إفادة د. حيدر التي جاء فيها (الشعب يعاني من نظام أهوج وعوير ومعارضة سحسوحة) دون غيرها من إفاداته الأخرى النصيب الأوفى من التعليقات وتحديداً عبارة (سحسوحة).. هذا الاهتمام الكبير بمفردة (سحسوحة) واستئثارها بغالب التعليقات يعيد الى الواجهة مسألة تأثر بعض الساسة والنخب بلغة الشارع وربما أيضاً (رندوك) الشماسة، من شاكلة (ماسورة وركب التونسية الخ الخ).
لم يكن د. حيدر باستخدامه لمصطلح (سحسوحة) هو أول من استعار من الشارع إحدى عباراته، فقد سبقه اليها الإمام الصادق المهدي الذي أتى على ذكر عبارة (سحاسيح) في حوار صحفي مشهور ومنشور، ففي رد له على سؤال يدمغ أبناءه بالنعومة والدلع ويتهمه شخصياً بأنه يميزهم على ما عداهم من عضوية الحزب ويقدمهم عليهم، جاء رد الإمام حاسماً وسريعاً، فقال (أولادي ليسوا سحاسيح وإنما نالوا ما نالوا من وضع ومقام في حزب الأمة نتيجة لكدهم وجهدهم واجتهادهم وكسبهم السياسي والحزبي.. والعبارة الشهيرة للمرحوم يس عمر الإمام (لكل حزب صعلوك وأنا صعلوك الجبهة القومية الإسلامية) تصب أيضاً في اتجاه تأثر الساسة والنخب بلغة الشارع وبصعاليكه، وبهذا القياس وعطفاً على الملاسنات الحادة الدائرة بين البعض في الوسط الرياضي على خلفية الأزمة التي يعايشها، يمكن القول أن محمد سيد أحمد الجاكومي هو (صعلوك اتحاد الكرة) والكاردينال (صعلوك رؤساء الأندية)، ويقيني أن من يقتفي أثر أحاديث السياسيين وخاصةً أحاديث الانفعال وردود الأفعال؛ يستطيع أن يحصي الكثير من مثل هذه العبارات التي يستعيرها السياسيون من قاموس الشارع، ولكن بالمقابل لن يجد للأسف أي أثر لخطاب الساسة ولغتهم في الشارع مع أن العكس هو ما كان يفترض أن يحدث.