قصة ثورة.. وضابط عظيم
الثورة هي أكتوبر 1964م، والضابط العظيم هو السيد العميد منير حمد، الثورة لم أعشها تفصيلا، وإن كنت أذكر ملامح الشوارع آنذاك، التي أنظر إليها من خلف نافذة محمية بالقضبان، تُطل على شارع كرري في حي السوق بأمدرمان، وكنت رغم صغر سني أعلم أن شيئا ما يحدث في (البلد).. وقد كان شارعنا ذاك-شارع كرري- من أهم شوارع مدينة أم درمان، وهو الذي يبدأ من تقاطع شارع أبوروف عند قلب سوق أمدرمان ويمتد شمالا حتى مقابر أحمد شرفي فالثورات وما بعدها، ولم يكن بعدها حي….(!)
لازلت رغم كل شيء أتذكر بعض الهتافات التي كان المتظاهرون يرددونها ضد الفريق عبود- رحمه الله- وكنت أندهش من ذلك، وقد شهد ذات الشارع عدة مواكب ترحيبية لزوار كبار طاف بهم الرئيس عبود أرجاء المدينة ومروا من ذات الشارع، من بينهم رئيس الوزراء ليونيد برجنيف وآخرون ما كنت أعرفهم في ذلك الوقت.
مرت الأيام ومضت السنين متتابعة، ووعينا ما حولنا وأخذنا نبحث في تاريخ وطننا، والتقيت في سبيل معرفة تفاصيل ماحدث في أكتوبر 1964م بالراحل الدكتور طه بعشر، وبالرئيس الراحل نميري، وبالسيد الصادق المهدي، وبقيادات اليسار وفي مقدمتهم الراحل محمد إبراهيم نقد، وبقيادات الحركة الإسلامية بدءً بالدكتور حسن الترابي ومرورا بالشيخ صادق عبد الله عبد الماجد وانتهاءً بالراحل الشيخ يسن عمر الإمام، وذهبت إلى أبعد من ذلك ذات يوم إذ طلبت من الإدارات المختصة في جهاز الأمن والمخابرات الوطني الاطلاع على بعض الوثائق الخاصة بأكتوبر 1964م، ومن بعدها أبريل 1985م والموجودة في أرشيف الجهاز ضمن التقارير الأمنية المحفوظة.
بالنسبة للأشخاص كل يروي التاريخ وفق رؤيته ومشاهدته ومعايشته ودوره فيه. بالنسبة للتقارير الأمنية هي رصد دقيق لحركة القيادات السياسية والحزبية ولحركة الشارع والتعبئة التي يقوم بها الساسة، ولم يتطرق أحد بالتفصيل لدور الجيش السوداني في تلك الثورة، وكانت الروايات تختلف وإن كنت قد استمعت إلى جانب من تلك الروايات على ألسنة السياسيين، خاصة السيد الصادق المهدي الذي قص عليّ تفاصيل لقاءات السياسيين بالعسكريين، ثم التقيت ذات يوم بالسيد أحمد المهدي ونقلت وجهة نظره، لكن ظل دور الجيش غائبا عني وعن الكثيرين إلى أن زارني قبل أيام قليلة الضابط العظيم السيد العميد منير حمد ،وهو من أصدقاء السيد الوالد محمود أبو العزائم- رحمه الله- المقربين، زارني وهو يحمل في يده هدية عظيمة كأنما هو يعرف مدى شغفي بالكتاب، خاصة إن اتصل بتاريخ الأمم وسير الأشخاص
.. كانت الهدية عبارة عن شهادة على العصر الذي عاشه السيد العميد منير حمد، أصدرها في كتاب حمل اسم(عمر السنين)، كشف فيه لأول مرة عن دور القوات المسلحة في ثورة أكتوبر 1964م.
لم أسعد وحدي بتلك الزيارة ومعها الهدية القيمة، فقد سعد بالإثنتين معا أخي وصديقي اللواء عمر نمر رئيس المجلس الأعلى للبيئة في ولاية الخرطوم، والذي كان معي لحظة الزيارة وتشريف السيد العميد منير حمد لنا.. وقد أهداه نسخة من الكتاب الذي رأينا أهمية وضرورة نشر بعض محتوياته في مقبل الأيام بإذن الله تعالى.