مصطفى أبو العزائم

قصة مدينتين


لا نقصد ما قصده الروائي الإنجليزي العملاق “تشارلز ديكنز” عندما أصدر روايته التاريخية الأشهر (قصة مدينتين) في العام 1859م- قبل مئة وأربعة وخمسين عاماً- والتي جرت أحداثها بين “لندن” بالمملكة المتحدة, و”باريس” في فرنسا, خلال أحداث الثورة الفرنسية.. وكانت الرواية الإنجليزية الممتعة مقررة على أبناء جيلنا في المدرسة الوسطى, مثل كثير من الروايات العالمية الممتعة.
نعم.. لا نقصد “لندن” و “باريس” وإنما قصدنا مدينتين سودانيتين، هما “الهلالية” و “الكاملين”, الإثنتان في ولاية الجزيرة, الأولى شرق النيل الأزرق, والثانية غربه, وقد قدمت المدينتان عرضاً إنسانياً ومجتمعياً عظيماً يوم الأحد الماضي بأن أهدت لكل أبناء وبنات ولاية الجزيرة من طلاب وطالبات التعليم العالي, ما تطمئن به قلوبهم وقلوب أهليهم, وما تقر به عيونهم وعيون أهلهم, وهو إنجاز كبير وحقيقي قدّمه ونفذه ووقف عليه الصندوق القومي لرعاية الطلاب، وعلى رأسه الأمين العام البروفيسور محمد عبد الله النقرابي، بينما أشرف على التنفيذ أمين الصندوق بالولاية الأستاذ محمد بابكر حسين كشك. على مدى أشهر عديدة كانت الأحلام خلالها تنمو وتتجسد في أراضٍ شاسعة وممتدة خالية من الحياة والنشاط, لتصبح ما بين عام ونصف, مدينتين جامعيتين، تضجان بالحياة والعلم والمعارف والنشاط.
ما حدث في المدينتين يستحق التهنئة, ويستحق الإشادة، لأن عدد طلاب وطالبات التعليم العالي في ولاية الخرطوم وحدها, والمنتشرين في جامعاتها, وكلياتها العليا, تجاوز عددهم الخمسين ألف طالب وطالبة، أصبح ثمانية وأربعون بالمئة منهم يقيمون الآن في مدن جامعية يبلغ عددها أربعة وعشرين مدينة جامعية.
بافتتاح مدينة “الشيخ الجيلاني التاي” الجامعية في مدينة “الهلالية” ومدينة “ذات النطاقين الجامعية للطالبات” في “الكاملين”؛ يصبح عدد المدن الجامعية في كل السودان قد بلغ مئة وخمسة وخمسين مدينة جامعية، تحت إشراف الصندوق القومي لرعاية الطلاب.
المدن الجامعية سواءً في الخرطوم أو الولايات، لم تكن مجرد داخليات فقط, بل كانت مراكزا للنشاط والإبداع وتهيئة الجو والمناخ والبيئة المساعدة على النجاح والاستذكار, من خلال وجود المسارح وسوح النشاط الثقافي والميادين الرياضية, وقاعات الإطلاع.
سألني سائل ونحن داخل مدينة “ذات النطاقين” الجامعية في الكاملين عن رأيي في هذا الإنجاز؟, فقلت له: إن الذي أراه أمامي أكبر كثيراً من أن يكون مدينة جامعية.. هو مدينة ومنتجع تعليمي.. وزدت على ذلك: (ليتنا استطعنا المحافظة على ما حققناه وأصبح واقعاً). فرد عليّ الرجل قائلاً: (قد لا تصدق!!. لقد أدت قيادات اتحاد الطالبات القسم على الحفاظ والاهتمام والعناية والرعاية بهذا الصرح العظيم)!!.
التهنئة لأبناء وبنات الجزيرة، ولمواطني “الهلالية” و “الكاملين” ،وللصندوق القومي لرعاية الطلاب, ولأمينه العام، ولكل العاملين به.. ولا نملك إلا أن نشكر الله.. ثم نقول لهم: (أحسنتم).