محمد لطيف : توطين العمل الطوعي.. أم تطويره؟ !
كنت أظن أن أقصى مظاهر الاهتمام بالعمل الطوعي من قبل الدولة أن يبادر مجلس الوزراء بتخصيص منتداه الدوري لمناقشة قضية العمل الطوعي والإنساني.. في السودان طبعا.. ثم تصورت أن الاهتمام لن يتجاوز أن يفتتح الوزير الأول الأمير أحمد سعد عمر.. وزير رئاسة مجلس الوزراء أعمال الورشة بكلمة ثم ينصرف لحاله.. غير أنني فوجئت وأنا أدلف لتلك القاعة من مجلس الوزراء منتصف نهار أمس.. بأن السيد النائب الأول يخاطب فاتحة أعمال ذلك المنتدى.. ليس هذا فحسب.. بل إنه شخصيا يرأس جلسات المنتدى.. مما يعكس درجة اهتمام الدولة بالعمل الطوعي الإنساني.. واهتمامه شخصيا.. ثم رؤيته للعمل الطوعي.. فقد عرف عن الرجل عدم انشغاله بغير ما هو مهم..!
وإن كنا نتفق مع السيد النائب الأول ومع مجلس الوزراء ومع وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي حول أهمية العمل الطوعي.. وضرورة أن يكون للدولة دور في تطويره ودعمه.. إلا أن هذا لا يمنع أن نختلف في المنهج.. فقد تابعت الورقة المقدمة من السيد أحمد محمد عثمان المستشار بمفوضية العون الإنساني.. وتفارقنا في رؤيتين أحسب أنهما منهجيتان الأولى في تسمية الورقة بتوطين العمل الطوعي والإنساني.. فالتوطين يكون لأمر مجلوب أو لم يسبق وجوده.. وقبل أن نختلف معه نحن.. فقد تناقضت الورقة مع نفسها.. حين حملت في فاتحتها حيثيات مطولة عن طول عهد السودان بالعمل الطوعي والإنساني.. مما يجعله مركوزا في الموروث الثقافي عبر النفير والفزع.. إلخ.. كما نوه النائب الأول نفسه.. إذن الورقة وقبلها المنتدى كانا في حاجة لمراجعة العنوان.. هذا شكلا.. أما موضوعا فما أن فرغت من قراءة الورقة التي كانت قد وصلتني قبل وقت كاف.. وهذه تحمد لأمانة مجلس الوزراء.. الجهة المنظمة والقائمين على أمر المنتدى.. شعرت بأن الحديث إنما يتعلق بمؤسسات رسمية وليست مؤسسات مجتمع مدني.. أو منظمات طوعية.. من كثرة الربط بين العمل الطوعي ودور الدولة.. فالذي نعرفه أن هذه المؤسسات تملأ الفراغ بين الأسرة والدولة.. بالتالي لا يمكن أن يبدو في أي مرحلة من المراحل.. ولأي مبرر من المبررات أن ثمة حبلا سريا يربط بينها وبين الدولة.. مما يقدح في استقلاليتها وحيادها.. والنأي بها عن السياسة.. كما أجمع المتحدثون كلهم.. اهتمت الورقة برصد عدد المنظمات المسجلة اتحاديا وولائيا.. ولكن فات عليها أن ترصد لنا عدد المواطنين الفاعلين في تلك المنظمات.. وهذه واحدة من أكبر علل منظماتنا التي سكت عنها الحضور حتى غادرت القاعة على الأقل.. فمعظم هذه المنظمات يهيمن عليها ويديرها حفنة أشخاص.. دون وجود حقيقي لما تسمى بالجمعيات العمومية التي يفترض وبالقانون أنها السلطة العليا في أي منظمة طوعية.. هذا إن لم تكن هذه الجمعية أو تلك هي مؤسسة الرجل الواحد..!
ولئن كان من المآخذ.. ويحضرني هنا تعقيب الأخ الأستاذ كمال عبد اللطيف بالأمس وهو يستخدم عبارة المنظمات الوطنية.. أن الشائع الآن أن ثمة منظمات وطنية تدعمها الدولة بلا حدود.. وأخرى غير وطنية تحاربها الدولة بلا هوادة.. والحقيقة التي يجب أن نعترف بها جميعا هي أنه لا تلك المدعومة من الدولة أو المحاربة منها تعرف سبيلا إلى الديمقرطية وإلى التداول السلمي للإدارة.. ولسبب من هذا فإن المانحين الدوليين لا يرون في منظماتنا إلا ارتماء في أحضان الحكومة أو انفرادا بالشأن..! وسيظل السؤال المؤرق عن جاهزية المنظمات وفاعليتها وقدرتها.. ومبدئيتها..! هل سمعتم بمنظمات تنشق على نفسها..؟!