الطاهر ساتي

قانون الشطة ..!!


:: قبل تسع سنوات تقريباً، بأحد أحياء الكلاكلة، عندما كان أفراد الأسرة يغطون في نوم عميق بجوار بعضهم في الحوش الوسيع، تسلق بعض لصوص الليل جدار منزلهم و صالوا وجالوا في الغرف بحثاً عن المال والذهب وغيرهما.. وأثناء البحث وبعثرة دولاب الملابس، شاء القدر بأن يصطدم أحدهم بصندوق مياه غازية، ليقع الصندوق وما فيه من زجاج ويحدث صوتاً..صرخ أحد أبناء الأسرة (الحرااامي)، ثم نهض متوجها صوب مصدر الصوت، ثم وقع ..له الرحمة والمغفرة، بطعنة سكين في جنح الدجى ودع الطالب الجامعي الحياة، ليقيدوا البلاغ ضد مجهول ..!!
:: وقبل ثلاث سنوات، وموثقة في أرشيف الزاوية أيضاً، عادت حرم المواطن أحمد جعفرمن بيت جارتها إلى بيتها – بحي أبو آدم – قبل منتصف النهار، لتتفاجأ باللص يبعثر الدولاب ويبحث عن النفائس، فصرخت لتحتشد المارة والسيارة ثم تطارد اللص في شوارع الحي .. قبضوه محملاً ببعض المسروقات، ثم اتصلوا بأحمد، واقتادوه إلى الشرطة ثم فتحوا البلاغ بالمادة (147) و بالرقم (1747).. وعند المحاكمة، لم يجدوا اللص.. إذ قال المتحري بالنص : ( فكينا المتهم بالضمانة، ما عندنا أكل للحرامية)..والأدهى والأمر، توالت الجلسات ولم يجدوا المتهم ولا الضامن ..وماتت القضية …!!
:: وقبل عام، وموثقة في إرشيف الزاوية أيضاً، ناشدت أهل الخير ليساهموا في إطلاق سراح المواطن عيسى بعد أن قضى في سجن الهدى تسع سنوات لعجزه عن دفع دية ( 30.000 جنيه)، فتسابق الأخيار و سارعوا بقيمة الدية وبالمزيد، وخرج عيسى من السجن وعاد إلى أهله بشمال دارفور مزارعاً..و عيسى هذا كان نائماً في منزله عندما تسلق أحدهم جدار المنزل ودخل غرفته، لينهض ويقبض المتسلق الذي أخرج سكينا..تصارعاً والسكين بينهما لنصف ساعة..ثم هرب الرجل.. ليجده أهل الحى في صباح اليوم التالي ميتاً من أثر ( سكينته)، له الرحمة والمغفرة.. ذهب عيسى إلى الشرطة طوعاً، لتحكم عليه المحكمة بتلك الدية ..!!
:: ولو تم توثيق كل هذه الوقائع المؤلمة في مقاطع الفيديو ثم نشرها في مواقع التواصل، لما وجد المقطع الراهن تعاطفاً أو إستنكاراً.. فاللصوص لايرحمون من يعترض طريقهم ..ومقطع الفيديو الراهن في مواقع التواصل يوثق لبعض الأهالي وهم يعذبون شابا يصرخ ويستنجد : ( أنا تبت والله، تاني ما بجي هنا والله)..لاتوجد تفاصيل لمشهد المقطع.. فالشرطة لم توضح مكان الحدث ولا زمانه ولا شخوصه حتى هذه اللحظة.. وكل ما في المشهد تعذيب – بالركل و الشطة – لشاب يعترف بجريمته بالتوبة وعدم تكرارها..!!
:: وعليه، ليس من العدل و لا العقل أن نبرر لمثل هذا التعذيب ..( الحرامي بيستاهل الدق)، أو هكذا يحكم البعض، ومثل هذ الحُكم يُرسخ قانون الغابة في المجتمع.. ومهما كانت الأسباب، ما لم يكن دفاعاً عن النفس ، لايُوجد إنسان يستحق ( الإعتداء عليه)..حق الدفاع – فقط لاغير – هو شرط الإعتداء على الآخر، لصاً كان هذا الآخر أو غيره ..وما عدا حق الدفاع، فالمحاكم وقوانينها هي الفيصل.. لاتبرروا العنف، حفاظاً على مجتمع لا يسود فيه (قانون الغابة)..!!
:: وقد تبدو قناعتي هذه عند السواد الأعظم من المجتمع السوداني (فلسفة ساكت).. نعم، فالحقيقة المُرة في مجتمعنا هي أن اللص هو من يستنجد بالشرطة عندما يتم القبض عليه من قبل شباب الحي ..وأحياء شهيرة بالخرطوم وبعض عواصم الولايات، فاللص الداخل إلى بيوت أهلها (مفقود)، ولو نجح في الخروج من البيوت والأحياء حياً يكون (مولودا)..إنها ثقافة مجتمع، و نشر الوعي – كما بسط الأمن – مسؤولية الجميع ..!!