ضياء الدين بلال

حالة إغراء!


الملاحظة التي أوردها أمس الصديق الطاهر ساتي، سليمةٌ تماماً:
(هل يُمكن أن يتجرَّأ تاجر مخدرات – قادماً إلى بلادنا كان أو عابراً – ويجلب حاويات مخدرات إلى الميناء الرئيسي للبلد، ما لم يكن مطمئنَّاً على سلامة العبور أو ثغرات التحري؟)!
هناك ما يُغري عصابات المخدرات، بأن ترسل كميات كبيرة إلى السودان، عبر الميناء الرئيسي!
ربما تثقُ تلك العصابات في وجود ثغرات تُمكِّنها من إدخال هذه الكمية بكل سهولة ويسر!
أو على أسوأ الفروض، إذا تم اكتشافها، فهناك ثغرات تمكِّن أفرادها (من مرسلين ومستقبلين)، من الهروب والنجاة من حكم القانون!
يخرجون من جريمتهم خروج الدخان من السيجارة!
مع هذا يجب ألا ننسى أنّ اكتشاف شحنة المخدرات بميناء بورتسودان من قبل الشرطة، عملٌ تستحقُّ عليه الإشادة والتقدير مع التنبيه لدلالة الواقعة.
في مرات كثيرة دلالة الحدث تصبح أهم من تفاصيله.
محاولة تهريب كميات كبيرة من المخدرات، عبر منافذ رسمية، مع تكرار المحاولة وغموض الفاعلين؛ أمرٌ يستحقُّ البحث والتنقيب لوضع الحقائق على طاولة الرأي العام.
كل يوم يمضي ولا يتم الإعلان عن أصحاب شحنة المخدرات الجديدة، يجعل الشائعات تتكاثر. مصدر الفعل أهم من الفعل في مثل هذه الحالات!
اتفاق استراتيجي وتاريخي
طوال التاريخ القريب، وربما البعيد، لم يصعد السودان في أجندة الاهتمام السعودي، مثل ما هو عليه الوضع الآن.
الآن فقط أصبحت المملكة العربية السعودية تتعامل مع السودان من منظور استراتيجي.
نقلت أمس وكالة الأنباء السعودية، أهم خبر في تاريخ العلاقة بين البلدين، حيث جاء في الخبر:
(وافق مجلس الوزراء السعودي، في جلسة أمس، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على تفويض وزيري المالية والزراعة لتنفيذ مشروعات اتفاقات إطارية بين السودان والسعودية. وتشمل المشروعات تمويل السدود (كجبار، الشريك، دال)، والإسهام في خطة إزالة العطش في الريف السوداني وسقي الماء للفترة (2015 – 2020م)، والمشروع الطارئ لمعالجة العجز الكهربائي (مشروع محطة كهرباء البحر الأحمر 1000 ميقاواط مع الخط الناقل)، والتوقيع عليها، ومن ثم رفع النسخ النهائية الموقعة لاستكمال الإجراءات النظامية).
كلام من دهب
أستاذنا الفاضل عبد الله سيد أحمد من الكفاءات السودانية النادرة في مجال الإعلام، ويشغل منصباً مرموقاً بدولة قطر. عبد الله يجمع بين الحس الصحفي وحصافة الدبلوماسيين ونقاء السريرة ونضارة الوجه، وهو يبتسم لضيوفه من زوار الدوحة.
أكرمني أمس أستاذ عبد الله بمقطع فيديو على الواتساب، لكلمة السفير عمر دهب مندوب السودان بالأمم المتحدة في الجلسة الأخيرة بمجلس الأمن.
قبل تعليقي على الكلمة عليَّ تأكيد الآتي:
لم ألتقِ السفير عمر دهب من قبل، وأستاذنا عبد الله لا صلة شخصية له بالسفير.
الكلمة التي قُدِّمَتْ في اجتماع مجلس الأمن الأخير، تُعتبر من المرافعات النادرة في الدفاع عن موقف الحكومة في قضية دارفور بوضعها الراهن.
كلمة قوية الحجة متماسكة من حيث المنطق والشواهد المنظورة والرقمية، تجادل بثقة لا تتوفر لكثيرين (سواء كانوا سياسيين أو دبلوماسيين)، مصممة لإقناع أكثر المتطرفين عداوة للحكومة أو إحراجهم إن أرادوا المُمانعة والمقاومة!
طريقة الأداء الصوتي والتعبيري للسفير دهب، لا تقلُّ روعة عن مضمون الكلمة.
أمر مؤسف، ألا تنال هذه الكلمة الجامعة بين قوة المضمون وروعة العرض حقها من الاهتمام حتى من الإعلام الرسمي!
بعض الدبلوماسيين والسياسيين، حينما تستضيفهم القنوات التلفزيونية، أو يطلون عبر المنابر الإقليمية والدولية تجدهم يطرحون أفكاراً مبعثرة وغير متماسكة، وبمنطق معتلٍّ وأنفاس متقطعة ولغة كسيحة وروح انهزامية؛ فلا ينالون رضا المشاهدين ولا احترام المحاورين!