الطاهر ساتي

لاتوجد مناصب شاغرة ..!!


:: ومما يُقال عن حب الوطن لحد البقاء فيه مهما كانت الظروف القاسية، الوطن ليس فندقاً نغادره حين تسوء خدماته..إنها مجرد عبارة رومانسية، ولا تلامس واقع مواطن وأوطان هذا العالم الثالث والأخير..ولكي يكون هذا النوع من الحب للوطن راسخاً في وجدان المواطن، أي الحب لحد البقاء فيه من المهد إلى اللحد مهما كانت الظروف الطاردة، فان هذا المواطن بحاجة إلى وطن وليس محض أرض وسماء وما بينهما من مياه وهواء و دواب و ( لمة ناس)..!!
:: وعلى سبيل المثال، كان تعريف هذا الوطن المنشود عند أحمد مطر عندما طالبوه : ( دافع عن الوطن الحبيب)، كان التعريف الصريح بالنص الشعري : ( وطني أنا : حريتي، ليس التراب أو المباني/ أنا لا أدافع عن كيان حجارة، لكن أدافع عن كياني).. حريتك وكيانك، وليس التراب والمباني والحجارة والأرض والسماء وما بينهما من مياه وهواء وناس، هما وطنك أو كما تظن..وإذا فقدتهما – حريتك وكيانك – فسيان عندك هذا المسمى بوطنك و أي وطن آخر..وعند فقدانهما – حريتك وكيانك – تغادر ما يسمونه بوطنك كأي فندق ساءت خدماته، ولا تبالي بالرومانسيات والأناشيد..!!
:: وعفوا..فقدان الحرية والكيان لا يحول الأوطان – في وجدان أهلها – إلى محض فنادق يمكن مغادرتها حين تسوء خدماتها بحثاً عن العيش الكريم فحسب، بل يحولها إلى سجون وزنازين يجب مغادرتها بحثاً عن التنفس.. وإن كانت الحرية التي تعني وطنك معروفة، فأن كيانك الذي يعني وطنك ليس هو محض هيئتك وجسدك، بل يعني وجودك وجدواه.. إحساسك بعدم وجودك وبعدم جدوى وجودك في المسمى بوطنك هو الغُربة التي تعيشها في المسمى مجازاً بوطنك، ثم تغادر غُربتك هذه بحثاً عن ملاذ قد يصبح وطنك الحقيقي وليس هذا المجازي..!!
:: والسوداني، كان فقيره يفطر بالأسودين ثم يتحدى الحرمان : ( ح نأكلها كسرة بي موية)، ليتمسك بوطنه – لحد البقاء فيه مهما ساءت الظروف – مراهناً على المستقبل بتعليم أولاده ليستقر الحال الخاص والعام..وكان يفعل ذلك لإحساسه بوجوده ثم لإحساسه بجدوى وجوده، أي لإحساسه بالوطن..فالوطن كان كيانه الذي يستحق التضحية بالحاضر، ثم البذل والعطاء لصالح المستقبل، ولم يكن محض فندق أسهمه فيه (غرفة مؤقتة).. ولكن في طوفان اليوم، تجد أرباب المعاش يتقدمون صفوف التأشيرة، وكذلك الأثرياء يزاحمون الفقراء في ذات الصفوف.. وهي ظاهرة لا تعكس إقتصاد الوطن فقط أو كما نظن، بل تعكس وطناً تحول بفعل فاعل – في وجدان الشعب – إلى محض فندق ساءت خدماته أو زنزانة يجب الهروب منها..!!
:: وبالإنتباهة، عدد الأمس، ما يصلح بأن يكون ( شر بلية)..يعتزم بعض شباب الحزب الحاكم الإغتراب الى الدول الخليجية بعد أن تخطتهم المناصب الحزبية والتنفيذية التي وضعت الكثير منهم ( على الرصيف)، وأشارت التسريبات أن حالة التململ قد شابت هؤلاء الشباب الذي قرروا الإغتراب بعد أن أصبح حال معظمهم ( على باب الله)..هكذا النص، وما بين الأقواس جزء من النص..وعليه، فمن لا يشغل منصباً يكون (على الرصيف)، ومن لا ينعم بمزايا هذا المنصب يكون على (باب الله)، أو هكذا النهج الذي تربى عليه الشباب المغادر إلى الخليج.. وهذا إعتراف من هؤلاء الشباب بأن النهج الحاكم كما حول الوطن إلى محض فندق في وجدان الشعب، حوله أيضاً إلى مجرد شركة في وجدان عضويته، بحيث يغادرونها حين لاتوجد ..( مناصب شاغرة)..!!