جعفر عباس

الدكوة صحة وقوة


تحدثت في مقالي ليوم أمس، عن تجاهلنا لأبسط قواعد الصحة الشخصية، وقلت إن الدليل على ذلك، هو أننا نشتري بعض طعامنا من قارعة الطريق، وضربت مثلا بالكسرة وزبدة الفول السوداني (الدكوة)، التي نشتريها من أشخاص غير ملزمين باتباع قواعد الصحة والسلامة في إعدادها وتعبئتها، بل ولا نعرف كيف وأين تم إعدادها، ولا أفهم لماذا يشتري الناس دكوة بتلك المواصفات، بينما لا يستغرق إعدادها منزلياً سوى دقائق معدودة بالسحان الكهربائي، أو يدويا بالهاون/ الفندك.
ولكنني أدرك أنه من العسف مطالبة جميع النساء بعواسة الكسرة في البيوت، لأن ذلك يستغرق وقتاً طويلاً ويتطلب جهداً كبيراً، ونصيحتي لمن تحب أو يحب أفراد عائلتها الكسرة، ولكن لا تمكنها ظروفها من ممارسة العواسة، أن تمتنع عن شراء الكسرة من الشارع، وبالتالي تتوقف هي وعائلتها عن تناول الكسرة، وستشكرها الأجهزة الهضمية على ذلك، وأقول لمحبي الكسرة – وأنا منهم – ما تشيلوا هم، فبعد أشهر قليلة سيتم بيعها في المخابز، حيث قررت الحكومة خفض ما تستورده البلاد من قمح، ليس بزيادة انتاج القمح، ولكن باتباع الموجهات العامة للنفرة الزراعية، بإهمال زراعة الحبوب في مشاريع الري الانسيابي، وكثير من السودانيين لم يكن يدرك أن «النفرة» تلك من «النفور». المهم أن الخبز الذي سيطرح في الأسواق خلال الأشهر المقبلة ستكون نسبة الذرة فيه 70%، وبالتالي ينبغي أن يكون اسمه «كسريف» وليس «رغيف» .
وأعود الى الدكوة، التي يشكو كثيرون من أنها صارت تشكل قوام موائدهم وغذائهم، ويعتقدون بالتالي أن السلطة بالدكوة هي غذاء مهدودي الدخل (الهاء في «مهدودي» لا علاقة لها بكوني نوبياً)، بينما حقيقة الأمر هي أنها منجم ضخم للمعادن والفيتامينات ومواد أخرى مفيدة جدًا لصحة البدن، بل أن من يأكل حفنة من الفول السوداني يوميا يوفر لجسمه احتياجاته اليومية من مضادات الأكسدة المعززة للمناعة والمعادن والفيتامينات والبروتين.
ولأن الدكوة تضاف إلى سلطة تتألف من الطماطم والبصل، فإنها تصبح وجبة صحية للغاية، إذا ضمنت أن الطماطم ليس من النوع «النطاط» الذي يتم انتاجه بغرض الاستخدام في لعبة التنس، ويا حلاوة لو أضفت للسلطة شطة خضراء، وكمان زيت سمسم، وحتى لو استخدمت زيتاً ذا محتوى عال من الكولسترول، فإن الفول به نسبة عالية من الأحماض الدهنية الأمينية غير المشبعة، التي تخفض الكولسترول الضار، وترفع نسبة الكولسترول الحميد في الدم، وتمنع بالتالي اعتلال الأوعية الدموية وحدوث السكتات الدماغية.
وتعالوا نرى ما في ملعقتي طعام من الدكوة: 188 سعرة حرارية اي 9% من حاجة الجسم من السعرات في اليوم، علما بأن العدد الموصى به طبياً من السعرات في اليوم الواحد هو 2000، وعندك 7,7 جرام بروتين يساعد تقوية أنسجة الجسم، وتعزيز المناعة، ومن عجائب الدكوة أنها تفيد النساء أكثر من إفادتها للرجال، فملعقتان منها تعطي المرأة 10% من حاجتها من الألياف بينما تعطي الرجل 7% من حاجته منها، وتعطي النساء 31% مقابل 27% للرجال من احتياجات الجسم من فيتامين إي E وبي 3، التي تمنع حدوث الالتهابات وتحمي أنسجة الجسم من التلف، وصارت الدكوة اليوم تتوافر معلبة من قبل مصانع متخصصة، ولكن المعلب منها يضاف اليه السكر ومواد حافظة أخرى لمنع التلف السريع، ومن عجائب الفول السوداني أن قيمته الغذائية ترتفع بالتحميص وبالسلق (إذا كان لا يزال في قشرته الخارجية)، وهناك أناس يسبب لهم الفول السوداني حساسية قد تفضي الى الموت أحياناً، والفول نبتة معرضة للإصابة بفطريات، تنتج عنها مادة أفلاتوكسين السامة المسرطنة، ولكن التحميص الجيد يقلل من معدلات تلك المادة فيه.