الخرطوم تحتج ضد باريس دبلوماسية الاصطياد في نهر الدم
بعد أن قدم وزير الخارجية البروفيسور إبراهيم غندور للسفير الفرنسي واجب العزاء في الضحايا الفرنسيين الذين قضوا يقنابل “داعش” خلال زيارة السفير له أمس الأول لوزارة الخارجية لم يرد لفرصة مثل هذه ساقتها الصدفة “التي هي أصدق من ألف ميعاد” أن تتسرب من بين أصابع يديه دون أن يستفيد منها.. فاغتنمها ليرسل رسالة لفرنسا أن ما أتت به “داعش” غير مقبول لدينا، ونضعه في خانة الإرهاب لكن بالمقابل نضع ما تقوم به الحركات المسلحة التي تحتضنها باريس في خانة الأرهاب أيضًا، لذا فإن الواجب يحتم على فرنسا أن تعالجه بما فيه مصلحة البلدين… كلمات غندور وصفت بإنها إنذار شديد اللهجة بينما فسرها البعض بأنها اصطياد في مياه الحزن. المساحة نفردها لدبلوماسية تنتهز الأحداث لتمرير أجندتها.
الخرطوم تحتج ضد باريس
الحكومة تنشط لإدانة دواعش الثورية
لم يشأ وزير الخارجية البروفيسير إبراهيم غندور أن يفوت فرصة لقائه بالسفير الفرنسي وهو يقدم له واجب عزاء الحكومة السودانية في ضحايا حوادث التفجيرات الإرهابية التي شهدتها باريس أن يذكره بضرورة أن يقف الجميع على مسافة متساوية من الإرهاب وقتل ترويع المواطنين وأن مكافحة الإرهاب فرض عين على جميع الدول مضمناً رسالته تلك في الاحتجاج شديدة اللهجة على إيواء فرنسا لعدد من الحركات المتمردة والمعارضة والسماح لها بممارسة أنشطتها المعادية للحكومة السودانية من أراضيها وهي تمارس القتل والترويع ضد المواطنين السودانيين، وهنا تبدو رسالة غندور واضحة في أن الحكومة السودانية تتأذى من قتل وترويع مواطنيها أياً كانت وسيلته وطريقته بذات القدر الذي تأذت به فرنسا من قتل وترويع مواطنيها وعلى الجميع أن يقفوا على مسافة متساوية من هذا الفعل وتشجيعه.
مجافاة الأعراف
أستاذ العلوم السياسية والخبير في الشؤون الدولية البروفسير حسن الساعوري ربما يتفق مع وزير الخارجية ويرى أنه حاول أن يذكر السفير الفرنسي من خلال هذا الاحتجاج أن الإرهاب الذي لديكم في فرنسا أيضاً عندنا في السودان وأنتم تأوون الإرهابيين والذين يخططون لهم في بلادكم.
ويرى الساعوري في حديثه لـ(الصيحة) أن مناسبة اللقاء يغلب عليها طابع الحزن ما يجعل الوقت غير مناسب أن يقدم فيه السودان احتجاجه، رغم أنه أدان العمليات الإرهابية التي حدثت في فرنسا، ويضيف الساعوري: يبدو أن غندور استغل مناسبة العزاء وزج بقضية الإرهاب في السودان ليقول لفرنسا إنها تأوي الإرهابيين السودانيين بإيوائها الحركات المسلحة في دارفور وهو الأمر الذي يجافي الأعراف الدولية، وزاد أن غندور توقع من ذلك أن يكون وقع حديثه في هذا التوقيت أكبر واحتجاجه كذلك يكون أكثر دلالة من أي وقت آخر.
العداء السافر
ويذهب الساعوري في تفسيره لإيواء فرنسا للجماعات السودانية المسلحة في أراضيها خلاف ما تفعل أمريكا في حربها غير المباشرة مع السودان التي تعتمد فيها الوكالة عبر دول الجوار السوداني والحصار الاقتصادي، يقول إن هذا الإيواء يعني العداء السافر والمفتوح، وهذا يطرح سؤالا من شاكلة أن السودان يعلم بهذا العداء كل الفترة الماضية ليأتي الاحتجاج الآن ويسترجع الساعوري بالقول: لو أحسنا الظن بأن هناك احتجاجات سابقة لكنها لم تكن معلنة ليبقى السؤال قائماً لما لم تعلن الحكومة السودانية هذه الاحتجاجات السابقة.
موقف سالب من الحوار
فيما ذهب الخبير في الشؤون الدولية د. حسين إبراهيم كرشوم الى الإشارة لموقف فرنسا غير الإيجابي تجاه الحوار الوطني رغم أن كل دول الترويكا أعلنت تأييدها للحوار وشجعت الحركات المسلحة على المشاركة فيه والتزمت أمريكا بإقناع الحركات الدارفورية غير الموقعة على الدوحة والحركة الشعبية قطاع الشمال للمشاركة في المفاوضات للوصول لوقف إطلاق النار الشامل، وأشار كرشوم في حديثه لـ(الصيحة) أن سبب إلغاء المؤتمر التحضيري الذي كان مزمعاً قيامه في أديس كان لإفساح المجال لإنجاح المفاوضات التي انطلقت أمس في أديس حول المنطقتين ودارفور، ويضيف كرشوم في مقابل هذه المواقف الإيجابية التي أبدتها دول الترويكا جاء موقف فرنسا السالب تجاه كل هذه التطورات الإيجابية في القضايا السودانية بل نشطت فرنسا في اتجاه ترميم وترقيع الانشقاقات التي حدثت في الجبهة الثورية وتسوية خلافاتها حول الرئاسة وكذلك قامت بترميم نداء السودان الذي يقوده الصادق المهدي ودفعت به إلى أديس أبابا لأحياء قوى نداء السودان بجانب استضافتها لعبد الواحد محمد نور الذي سمحت له بإصدار بيان عمد فيه للتصعيد العسكري بدلاً من دفعه للمشاركة في التفاوض، ويرى كرشوم أن موقف الخارجية السودانية رغم أنها قاسمت فرنسا المواساة في قتلى التفجيرات الإرهابية لكنها عبرت عن ما كانت تتوقعه من فرنسا من دور في إنجاح الحوار بدفع الحركات المسلحة التي تستضيفها إلى طاولته.
مصالح فرنسا
وعن دوافع استضافة فرنسا للحركات السودانية المسلحة والسماح لها بالنشاط في أراضيها يؤكد كرشوم ان هذه الخطوة نتاج طبيعي للتنافس الدائر بينها وبين أمريكا على القارة الأفريقية وذلك حسب اعتقاد فرنسا أن أمريكا تتمدد في مستعمراتها التي ظلت ترتبط بها اقتصادياً بعد استقلالها وهذا ما جعلها تعمل جاهدة لإيقاف مد النفوذ الأمريكي في افريقيا عموماً وغربها خاصة في تشاد التي تلعب في صراع دارفور ولها انعكاسات مباشرة وغير مباشرة سلبًا وإيجاباً مع حركات دارفور، ويظهر ذلك في نجاح تشاد بإقناع أبو القاسم إمام بالحضور للخرطوم ومشاركته الصورية في الحوار الوطني بما يعد اختراقاً في الحركات الدارفورية من قبل تشاد، في مقابل الدور السالب الذي ظلت فرنسا تلعبه في قضية دارفور باستضافتها لأغلب الحركات وإيوائها مبكراً وتقديم كافة أنواع الدعم لها لتنشط مؤخراً في تنسيق لقاءات راتبة لها مع قطاع الشمال والجبهة الثورية حيث يلتقى قادتها على أرفع مستوياتهم بمسؤولي الحكومة الفرنسية وكذلك برلمانها، بجانب ظهور الصادق المهدي ونشاطه رغم أنه لم تكن لحزب الأمة أي علاقات سابقة بفرنسا الشيء الذي يؤكد أنها أصبحت تلعب دورًا سالبًا ضد أي خطوة لتحقيق سلام شامل في السودان.
ختاماً
تبقى تصريحات غندور رغم تباين وجهات النظر حول توقيت رسالته لفرنسا كأنها تكشف مقدرة الطبيب في مضمار الدبلوماسية لاختيار توقيت إعطاء الدواء للعلل التي يرى أن الجسد السوداني ظل يتأذى منها محتملاً آلامها دون شكوى.
الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة