جعفر عباس

الاستعراب ثم الأنجلزة


وأنت تقرأ هذه السطور، هناك مليار شخص يدرسون اللغة الإنجليزية في مختلف أنحاء العالم، بينما يبلغ عدد من يستخدمون الإنجليزية لتسيير أعمالهم يوميا زهاء مليار شخص، وتسهم الكتب وأشرطة الفيديو والأفلام الإنجليزية في الاقتصاد البريطاني بخمسة مليارات من الجنيهات الإسترلينية التي تزينها صورة الملكة اليزابيث، التي يبدو أنها طويلة العمر، مثل أمها التي ماتت بعد عيد ميلادها الواحد بعد المائة، مما يعني أن أخانا تشارلس قد يصاب بالخرف قبل أن يهنأ بالجلوس على العرش.
أما الولايات المتحدة، فإن عائداتها من المواد الترفيهية باللغة الإنجليزية، تبلغ تريليونات الدولارات سنوياً، وكم من فيلم أمريكي كانت عائداته مليار دولار في اليوم الأول لعرضه، وتكسب مطربة مثل بيونسي ناولز من «شريط» واحد، أكثر مما تجنيه سبع دول أفريقية من الفئة المستحقة للزكاة، من صادراتها في سنة كاملة، ويعتقد البعض خطأ أن الشباب العربي يبذل المال الكثير للاستماع للعجرمية واختها في ال»*****» هيفاء بنت وهبي، في حين أن حقيقة الأمر، هي أن شبابنا معجبون بتضاريسهن وليس بأصواتهن، ومن ثم «يتفرجن عليهن بلوشي في يوتيوب.
سدنة اللغة الإنجليزية، يستخدمونها لإنتاج مواد تشد الشعوب الناطقة بلغات أخرى وتشجعها على تعلمها، وبالمقابل تقوم وزارات التربية العربية، بجهد ضخم لتنفير الطلاب من اللغة العربية، بحشو مناهج العربية بمواد سخيفة ثقيلة على القلب، أكثر من نصفها ينضح بالنفاق ومسح الأجواخ للحاكمين بأمرهم، بحيث تصبح خطبهم هي النبع الذي يستقي منه الطلاب أصول التعبير والبلاغة، وقواعد النحو.
وبعدما اكتشفنا في السودان في تسعينات القرن الماضي ان الإنجليزية لغة صليبية، تباهينا بتعريب المناهج الدراسية، مع أن كل ما في الأمر، هو أن المناهج باتت مكتوبة بلغة فصيحة ولكن ركيكة، والتدريس يتم باللغة العامية الدارجة: لما كافور أبى يديهو منصب، المتنبي قام حمبك ولعن خاش كافور بقصيدة.. الموية بتتكون من «زرتين» من الهيدروجين وزرة من الأوكسجين، والقاهرة عاصمة مصر .. والسلفر لونه أصفر، ما بيدوب في المويه وما بينجذب بالمغنطيس.
ويوكل تدريس مناهج اللغة العربية على وجه الخصوص، لأناس بلا حافز ولا دافع، فمدرس اللغة العربية، أقل مرتبة في نظر مسؤولي التعليم من مدرسي بقية المواد، ولا يحلم بالترقية إلا بعد أن يشيب الغراب، ويكون هو وقتها قد أصيب بالقرف والخرف.
وما من أب أو أم في العالم العربي، إلا وأصابه هوس تعليم أبنائه وبناته الإنجليزية، وذلك عين العقل، لأنها لغة أساسية للمعارف والعلوم، ولكن أن يسعى إنسان لإجادة لغة أجنبية بينما إلمامه بلسانه الأصلي، مثل إلمام فيفي عبده بموقع سيناء في الخريطة، فهذا عيب
وأعترف مجدداً أنني لا أجيد العربية كما أتمنى، وعذري في عدم إجادتها، هو أنني نوبي أعجمي – كما ذكرت مراراً في مقالاتي – تعلمتها في المدرسة، في زمان كان يتم فيه تدريس معظم المناهج بالإنجليزية، ثم عشقتها وعشقتني و»عشق ناقتها بعيري».
و»كنا فين وبقينا فين»، فقد أتى علي حين من الدهر كنت فيه أرفع يدي في حجرة الدراسة، لأقول لمدرسي أبو شنب معقوف: «ممكن تشرحي الكلام دي تاني يا شيهة»، أو يحاول بعضنا مجاراة عيال الخرطوم فنقول عندما نرى فتاة جميلة «يا هلو (حلو) أنت يا سمسم القدارف».
ويفسر هذا خيبة النوبيين في مجال الغزوات والنزوات، لأن الواحد منا سرعان ما يعرف قدر نفسه بعد أن يتعرض للتهكم والاستخفاف، فيكف عن مضايقة بنات الناس، وعندما يستقيم اللسان، يكون قد بلغ النضج، الذي يعصم من الصغائر.