«أخلاقيات عهد الانفتاح الجائر والتحرير الاقتصادي الأخرق هي التي جعلت من احترام الآخر في بلادنا سلعة
«أخلاقيات عهد الانفتاح الجائر والتحرير الاقتصادي الأخرق هي التي جعلت من احترام الآخر في بلادنا سلعة تُشترى بالمظهر.. نحن نواجه اليوم أخطر تبعات إنقاذ رقابنا بالقوة، وتحرير اقتصادنا بالضربة القاضية».. الكاتبة..!
العلاقة بين مقدار الشهرة وحجم الثراء في كل بلاد العالم – تقريباً! – طردية، إلا عندنا في السودان، حيث تكاد تجزم أنها – في أغلب الأحيان عكسية – .. أن تكون شهيراً في بلادنا لا يعني أن تكون ثرياً بالضرورة.. وإن كنت في ريب مما أقول فأرجو أن نتأمل معاً خبراً عجيباً من أرشيف صحافتنا الفنية..!
«عرض ممثل سوداني – معروف- إحدى كليتيه للبيع للخروج من ضائقة مالية دفعته للهروب من البلاد بعد أن حاصرته الديون والشيكات المرتدة، وتم فتح أكثر من بلاغ جنائي في مواجهته.. وقد طالبه عدد كبير من الأصدقاء بالتريث ومحاولة إيجاد حلول أخرى.. إلا أن الرجل أصر على موقفه قائلاً إنه لا يملك منزلاً ليبيعه، وليست لديه مقتنيات من أي نوع، وبدلاً من دخول السجن الأفضل له أن يبيع كليتيه على أمل أن يزرع كلية جديدة متى ما تحسنت أحواله وطالبهم بمساعدته في إيجاد مشترٍ مناسب»..!
صحف عديدة تناولت كثيراً وطويلاً قضية بيع أعضاء السودانيين في القاهرة بالحقائق والأرقام، وعندما يتم التركيز على حادثة بعينها يشار عادة إلى صاحبها بأنه «سوداني»، ولكن «مهنة» ذلك الممثل وشهرته هي التي حولت ظرفه العصيب إلى خبر مثير على صفحات الفن..!
هل رأيت كيف أن الشهرة التي لم تجلب لصاحبها المال قد جلبت له الوبال في هذا المقام.. هل لاحظت ذلك التسليم – أو الاستسلام – الإعلامي الذي يصاحب تداول مثل تلك الأخبار عادة..؟!
هل قرأت يوماً تحقيقاً صحفياً يرصد ثروات المشاهير في السودان؟!.. أو قرأت يوماً خبراً يتناول مظاهر البذخ والثراء التي يعيشها الممثل أو المطرب الفلاني كما يحدث في مصر القريبة مثلا؟!.. لن تسمع أبداً.. مع أنك تسمع كل يوم عن أخبار ثروات السادة المسؤولين والساسة الحاكمين..!
تلك المفارقة – في تقديري – لها تبرير اجتماعي شديد البؤس والطرافة في آن معاً،
مفاده أن المواطن السوداني يحكم سلباً على مظاهر الاستفادة المادية من الشهرة الفنية لكنه في ذات الوقت يتصالح مع مظاهر استغلال النفوذ السياسي..!
وأن طبائع الطبقة المتوسطة العليا في بلادنا تفرض على الفقير الشهير.. الكثير من المكابرة للحفاظ على صورته المعقولة في أذهان جماهير تكره شكوى المشاهير الاقتصادية مثلما تبغض أن تبدو عليهم مظاهر الثراء..!
أضف إلى ذلك طبيعة الجماهير السودانية ونظرتها المثالية «القاسية» للنجوم، والتي ترسم صورة ذهنية متعسفة لسلوك المشاهير «فيجهدون أنفسهم – مكرهين لا أبطال – للمحافظة عليها».. فلا هي أطعمتهم وسقتهم، ولا هي تركتهم يأكلون من خشاش الشهرة..!