نحن ومصر … صراخ وهرج
منذ بداية الأسبوع المنصرم وإلى مطلع الجاري، ظل (النقاش) مُحتدماً حول تعذيب وإهانة مواطنين سودانيين من قبل سلطات الأمن المصرية، قبلها بقليل كانت الساحة تمور بحلايب (سودانية، أم مصرية)، وقبلها قصص وحكايات كثيرة، كلها تختم بطريقة واحدة، هي أن المصريين يروننا (أقل منهم)، ينظرون إلينا بدونية، فالسوداني بالنسبة لهم هو (البواب، والساذج، والتابع)، إلى آخر القائمة.
هكذا، تغلي و(تفور) العلاقة بين مصر والسودان، يعلو الزعيق ويصل الصراخ عنان السماء، ثم (يهمد) وكأن شيئاً لم يكن، وتعود الأمور إلى (مصر يا أخت بلادي يا شقيقية)، وتتدحرج حلايب إلى قاع مثلث الذاكرة السودانية السياسية والثقافية نسياً منسيا، وتنفصل الجُمل الصارمة عن بعضها وتكتب على هامش (العلاقات الأزلية) نصوصاً هشة، تستدعى إليها الإفلام (المصرية) التي يظهر فيها السوداني في صيغة بواب وطباخ وتظهر فيها السودانية كـ(ناقشة حناء أو بائعة عرقي). وهكذا يُدون السياسيون والمثقفون هنا في الخرطوم يوميات الفعل السياسي والاجتماعي بين مصر والسودان.
بينما الأمر ليس هيناً بهذا القدر، ولا بالأقدار الهارجة الصارخة والناعقة التي يطرحها توفيق عكاشة، فالذي بين مصر السودان موغل في التشابكات والتعقيدات، كون الأولى ظلت طرفاً ثانياً في كلا الاستعمارين الذين لحقا بالثاني، وهنا نُسميهما (الحكم الثنائي)، (تركي/ مصري، وبريطاني/ مصري)، وربما هذا الإرث الثقيل هو الذي أسس لهذه الحساسية وطورها لاحقاً حتى صارت حالة من اللاوعي (والغياب) تمتثل وتخضع لها الأطراف كلها، دونما إرادة، حتى لتبدو وكأنها كفيف (مُنقاد) إلى شفير هاوية.
من وجهة نظري، فإن مثلث حلايب (سوداني). ولكن الواقع الماثل الآن في المثلث، ملحقاً بدفوعات مصرية (هاني رسلان) أنموذجاً، تحاجج بأن خط (22) درجة شمال الاستواء يمثل الحدود الفاصلة بين البلدين، تغدو حلايب مصرية صرفة. فلماذا لم تذهب حكوماتنا المتعاقبة منذ (عبد الله خليل) وإلى الآن إلى القضاء الدولي (لاهاي)، كما فعلت دول كثيرة (الإمارت وإيران، وارتريا واليمن).
بطبيعة الحال، لن تذهب مصر إلى هناك، بصفتها (المعتدي المفترض)، إذ إنها تمارس سيادة كاملة على المثلث، وتؤسس فيه مشروعات تنموية يوماً بعد يوم، مدراس، مستشفيات، مساكن، طرق، و خدمات ماء وكهرباء، وتنظم فيه انتخابات برلمانية ورئاسية، بينما نحن نصرخ لمعتصم لا يستجيب.
والحال هذه، فإننا ينبغي أن نقول الحقيقة عارية، وهي أن بقاء حلايب، شلاتين، أبو رماد، رأس حدربة، وبقية حواضر وقرى المثلث على هذا الوضع، أمر سياسي، ظلت تستثمر فيه كل الحكومات التي تتعاقب على البلدين، وتفك عبر إثارتها اختناقاتها وأزماتها، خاصة (حكوماتنا)، وإلاّ فإلي (لاهاي)، وحين يصدر هنالك حكم لصالحنا، فلكل حادثة حديث وفعل أيضاً.