رابطة العاطلين ..!
«في البدء يكون الخبز ثم تكون الأخلاق» .. برتولت بريشت!
ظاهرة الشاب العاطل في أي دولة كارثة اجتماعية تنتهي بإحدى ثورتين، إما ثورة على القوانين والأعراف والأخلاق «في مصر صارت كلمة عاطل مرادفاً لتعريف المتهم في معظم قضايا السرقة والاغتصاب».. وإما ثورة سياسية تطيح بالنظام الحاكم الذي تسببت سياساته بانتشارها.. ولو قدرت حكومة السودان خطورة تكاثر أعداد العاطلين، حق تقدير، لشملت كل شاب عاطل بترضية سياسية «الشباب العاطلون هم خام الثروة ووقود الثورة، وليس قادة الأحزاب الذين ما عادوا يملكون من أمر التغيير سوى ثرثرة المنابر والتلويح بما لن يكون»!
أي شاب سوداني هو عند أسرته مشروع استثماري باهظ التكلفة، ورغم الصرف والجهد والكد، يبقى على الواحد منهم أن ينتظر كثيراً وطويلاً قبل أن يتمكن من رد بعض الجميل – بعضه فقط – لا عجب إذن من وقوف أي مشروع استثماري يشارف على الانهيار على أعتاب ثورة ..!
«من يفتح باب عمل يغلق باب سجن» ، أليس كذلك؟!.. لكن ماذا تتوقع بشأن معدلات الفقر والبطالة في دولة يقتصر اهتمام حكومتها بالشباب على تصريحات مسؤوليها عن خطط واعدة وبرامج عائمة ؟!.. والنتيجة منصرفات أكثر، ومنجزات أقل.. والمزيد – بالطبع – من جموع العاطلين «القادرين على العمل، الراغبين فيه، الباحثين عنه، القابلين بمستوى الأجور السائدة»، ولكن دون جدوى، لعدم توافر شرط القرابة الحزبية، أو النسب السياسي، أو الانتماء لجماعة السيد المسؤول ..!
ماذا لو تأسست «رابطة العاطلين بالسودان»، ككيان يستحق عضويته كل من ينطبق عليه تعريف منظمة العمل الدولية لمفهوم العاطل، ثم أن تدعو تلك الرابطة – بالتي هي أحسن! – إلى ثورة إحلال وإبدال على مظاهر المحسوبية والفساد الإداري والبطالة المقنعة.. ماذا سيفعل أذيال السلطة ومحاسيب البلاط حينئذ..؟!
لو قدرت هذه الحكومة أن سنوات الانتظار هي قنابل ثورة موقوتة في أيدي العاطلين لأدركت ضرورة تدخلها العاجل لضبط الفوضى الوظيفية والعثور على صيغة متوازنة لعلاقة المهنية بالإنتاج.. ولكن من يسمع..؟!
عوضاً عن إهدار الأموال في التظاهر بالعمل، ما هي إستراتيجية الدولة لمحاربة ظاهرة الشباب العاطل في السودان ؟! أين علاماتها الفارقة، حتى الآن، في تحسين حال المواطن ؟! وكيف لها أن تنجح والمنازعات السياسية تهيمن على كل الاعتبارات الأخرى؟!..
هنالك طرفة قديمة تقول: إن مسطولاً كان يلف ويدور طوال الليل حول عمود إنارة بحثاً عن مفتاح بيته الذي سقط في أطراف الحي، وعندما سأله العسس «لماذا تبحث عن مفتاح بيتك في غير مكان وقوعه» .. أجاب «في أطراف الحي لا يوجد عمود نور»! .. مشكلتنا في هذا السودان تكمن في المسافة – الفاصلة – بين مفتاح القرار وعمود النور ..!