الطاهر ساتي

حلقة موت أخرى …!!


:: أزمة متجددة بأسماء مختلفة..قبل أشهر، كانت بين المعاليا و الرزيقات بدارفور..وقبل أسابيع، كانت بين الجموعية والهواوير بشمال أمدرمان..و يوم أمس، تحت سمع وبصر السُلطات، بين أهل قريتين متجاورتين في دنقلا، إشتباك بالمعاول والفؤوس والمناجل، وموتى وجرحى.. وفاة شابين و إصابة أكثر من تسعة ..و لا جديد في أسباب الإشتباك بدنقلا.. هي ذات الأسباب الراسخة في عقول وقلوب كل قبائل السودان وأريافها ..نعم، أسباب إشتباك أهل الأرياف في بلادنا (واحدة)، فالإشتباك – لحد الموت والجرح – حول الأرض .. والإختلاف فقط في وسائل الإشتباك، في غرب السودان بالنيران وفي الشمال و الوسط بالمعاول والعصى..!!
:: لأراضي الدول حدود، ولكن أراضي قبائل وقرى السودان بلا حدود..فالأرض لاتملكها الدولة وسلطتها وقانونها، كما تنص دساتير دول الدنيا والعالمين بما فيها دستور الدولة السودانية، بل تملكها القبيلة والعشيرة والقرية..وإمتلاك القبيلة والقرية لأرض بلا حدود هو أُس البلاء وأسباب المعارك ..والمراقب لكل الصراعات الأهلية، ليست في السودان فقط، بل في الكرة الأرضية كلها، يجدها صراعاً حول الأرض و مواردها..ومنعاً للصراعات والحروب، طورت حكومات الدول علاقة الإنسان بالأرض، ثم نظمت هذه العلاقة بالقوانين التي لاتظلم الشعوب والقبائل والقرى و الأفراد..ولكن نحن في السودان – منذ الإستقلال وإلى يوم إشتباك القليعة والحاج زمار بدنقلا – لم يُكرمنا القدر بحكومة تطور علاقة الإنسان بالأرض وتنظمها بحيث تكون الأرض للدولة ومصالح شعبها وقبائلها وأفرادها بالتخطيط السليم والتوزيع العادل ..!!
:: وما لم تتجاوز علاقة الإنسان بالأرض هذه العلاقة التقليدية، فلن تهنأ البلاد بالسلام، و لن تهنأ القبائل والقرى بالوئام ..وما يُحزن في الأمر، أن لبعض قبائل وقرى السودان – في كل أقاليم السودان – قناعة راسخة بأنها تستضيف قبائل وقرى أخرى على أرضها.. هكذا الثقافة الراسخة في وجدان القبائل والقرى، وكأن تلك القبائل والقرى المستضافة (أجنبية في بلدها)..لم، ولن نتطور بحيث يدخل السودان في موسوعة الدولة الحديثة التي يستفيد كل أفراد شعبها من كل أرضها..ولم ولن نتتطورفي ظل ثقافة تمنح لكل قبيلة حق وضع يدها على (أرض بلا حدود)، ولكل قرية ( حرم بلا حدود) ..ثم تعزلها عن أراضي القبائل والقرى الأخرى، وهي أيضا ( بلا حدود)..وكذلك تعزلها عن سلطة الدولة في التخطيط والتوزيع حسب خارطة (المصلحة العامة)..!!
:: والمعارك حول الأرض لن تقف عند قبيلتين في دارفور أو قريتين في دنقلا.. فالكل موعود بالمعارك..وهي ليست معارك سياسية بحيث نختزل مسؤوليتها في تقاعس الحكومة أو تحريض المعارضة، بل هي معارك تشعلها ( ثقافة المجتمع)..والكل – حكومة و مجتمعا وإعلاما- شركاء في ترسيخ هذه (الثقافة)، وكذلك شركاء في جرائم حربها..أرض القبيلة والقرية في بلادنا بلا حدود، هذا ( أصل الأزمة) و ( أس البلاء )..فلندع سلطة الدولة، ونسأل عقول الناس، أين تنتهي حدود شهادة بحث أرض قبيلة أو قرية، لتبدأ حدود شهادة بحث أرض القبيلة والقرية الأخرى؟.. لا إجابة، غير حروب أخرى بعد حرب القريتين ..وهذه من علامات ( اللا دولة )..!!