مسألة عجيبة جداً..!!

جميل أننا استقبلنا هنا في بلدنا السودان أشقاءنا السوريين بكل حفاوة لدرجة أن منحونا كأس أفضل دولة معاملة للاجئين السوريين.. وجميل أننا كررنا نفس الحفاوة مع أشقائنا من اليمن السعيد.. (رغم أن الصحفي اليمني الأستاذ أحمد الجبلي كتب هنا في “التيار” يشتكي أن اليمنيين لا يحظون بنفس معاملة السوريين).
وامتدت الحفاوة والترحاب إلى امتحان الشهادة السودانية حيث سمحنا لإخوتنا السوريين واليمنيين بدفع نفس رسوم الامتحان التي يدفعها الطالب السوداني وبالعُملة السودانية (150) جنيهاً فقط.. حتى هنا كل شيء عال ويعبر عن كرمنا الأصيل.. وعن حق مستحق لضيوفنا الأكارم الذين اختارونا ملجأ في ظرفهم العصيب.
لكن الذي يهزم.. بل ويقذف هذه الصورة المشرقة بحجر ثقيل، هو أننا في ذات الوقت نلزم طلاب الشقيقة دولة جنوب السودان بدفع رسوم الامتحان بالعُملة الصعبة، (150) دولارا أمريكيا عداً نقداً.. أي أكثر من عشرة أضعاف ما يدفعه الطالب السوداني وضيفاه السوري واليمني.. لماذا؟
لماذا نضن على أبنائنا الجنوبيين الذين كانوا شركاء في هذه الأرض والوطن، ما نكرم به أشقاءنا العرب؟
مثل هذا المسلك خطير للغاية لأنه يبعث برسائل ملغومة إلى الشعب السوداني نفسه.. الذي لا يزال يجتهد في الموائمة بين انتمائه العربي والأفريقي!
شعب جنوب السودان هو من لحمنا ودمنا شاءت المقادير أن تفرض علينا حدوداً تفصلنا سياسياً ولا تقطعنا بشرياً.. فلماذا نرتكب مثل هذه الأخطاء الجسيمة ذات المردود الخطير على المدى القريب والبعيد.
وكم عدد الطلاب الجنوبيين؟ ماذا لو أعفيناهم تماماً من أي رسوم لا بالعُملة السودانية ولا الأجنبية.. وميزناهم حتى على أنفسنا.. كم نخسر؟ لا شيء.. لكن في المقابل كم نربح من تعزيز الصلات الطيبة مع دولة جارة وشعب عزيز نحتاجه تماماً كما يحتاجنا الآن..
الحدود المشتركة مع دولة جنوب السودان حوالي (2000) كيلومتر.. يعيش حواليها أكثر من ثلث شعبي البلدين وتتوفر فيها قدر هائل من موارد البلدين الطبيعية.. هذه الحدود لن تحرسها البنادق مهما اتسعت أعينها.. ولا الاتفاقيات الحكومية مهما تكدست.. ولكن يحرسها الوئام الاجتماعي والصفاء النفسي بين الشعبين.. تبادل المنافع لا المدافع..
مثل هذا السلوك يؤكد قصر بصيرتنا الإستراتيجية تماماً مثلما فعلنا عندما طردنا الطلاب الجنوبيين في كلية الشرطة خلال أزمة (هجليج).. كنا ننظر تحت أقدامنا لم نرفع رأسنا لننظر ببصيرة المستقبل الواعي المدروس.
يا وزيرة التعليم العام.. أعفي طلاب جنوب السودان من الرسوم.. تخسرين بضع دولارات وتكسبين شعباً بأكمله.

Exit mobile version