إلى أي منحدر يريدون الدفع بنا؟
قبل أن نكتب عن موضوعنا اليوم, والإجابة عن السؤال عاليه, لابد من أن نطرح سؤالاً على أنفسنا ويحاول كل منّا الإجابة عليه بصراحة وتجرد وموضوعية, وهو: (هل نطمئن على مستقبل بلادنا, وهل نستطيع الجزم بأن ما يحدث حولنا من أعمال عنف وتقتيل وفوضى لن ينتقل إلينا)؟.
قطعاً لن يستطيع أحد الجزم بذلك, ولن يستطيع أحد أن يقطع بأن ما يحدث حولنا لن ينتقل إلينا في ظل هذه الأزمات المتلاحقة والصراع غير الموضوعي ولا المبرر على السلطة, بما يزيد معاناة الناس أكثر مما هي عليه.
أما سؤالنا الذي جعلناه عنواناً لهذه المادة فإن المعنيين الذين يؤدون فعل (الدفع بنا) هم السياسيون وأشباه السياسيين, وسماسرة الغرب وممثلي المصالح الخاصة وسفراء الشيطان من كل جنس ولون (!).
إذن وضحت الصورة, وظهر المنحدر الذي يريدون دفعنا إليه لتصبح بلادنا ملاذاً للمتطرفين, ومثابة للارهابيين من كل لون وجنس, بعد أن نالوا أعلى درجات التدريب في معسكرات حركاتهم المسلحة الخاصة.
الآن أخذ هؤلاء الجهلاء الذين لم يمحُ النضال ولا سنوات الكفاح المسلح أميتهم السياسية, أخذوا يتشددون في مواقفهم, ويطالبون بإزالة النظام بأكمله, بل وبإزالة كل الركائز والعلامات التي يستدل بها على الدولة ليبدأوا من جديد في التقسيم وفق الأهواء والمصالح.
نحن شعب متسامح, وعادة ما لا ينظر المتسامح إلى المستقبل بعين متشائمة, ويحسن النظر بالآخرين, لكن علينا الآن أن نتغيّر, وأن نستصحب معنا صور الماضي المؤلم, ونستذكر الدروس القاسية, والمعاناة الشديدة, وكل أمر موجع واجه أبناء شعبنا, في مناطق الحرب والتمرد وفي كل أرض محروقة, واستعادة المواجع التي أدت إلى القتل والتخريب والموت المجاني والدمار الشامل, وتيتم الأطفال وترمل النساء.
علينا أن نتذكر كل ذلك, وأن نستعيد صور الفوضى التي عشناها صبيحة الإعلان عن مقتل مؤسس التمرد وقائده العقيد جون قرنق, وعلينا أن نتذكر الفوضى التي صاحبت محاولة غزو أم درمان.. وقبل هذه وتلك علينا أن نستعيد صور البؤس في معسكرات النزوح, والعمل بوعي ودون وعي لإفقار هذا الشعب من خلال فتح طاقات الجحيم والحرب على الدولة ومؤسساتها.
علينا أن نقف بشدة ضد أيَّة محاولة لابتزاز الضحايا والمهمشين, علينا أن نرفض المتاجرة باسم المناطق والشعوب المغلوب على أمرها في جبال النوبة والنيل الأزرق والأنقسنا ودارفور.
كفانا مهازل.. كفانا معاناة تدفع بنا دفعاً نحو هاوية الدمار لتفكك أوصال الدولة وتحكم هياكلها.
على الحكومة أن تتخذ مواقف أكثر تشدداً تجاه الذين أرادوا سجن أنفسهم في زنازين الوهم, الذين يرفضون الحوار الشامل, ويسعون إلى عقد مؤتمر دستوري هو أحد مكونات الحوار..
المفاوضات التي تفضي إلى نتائج, والحوار خارج أرض الوطن هو نزهة باهظة التكاليف, ونحن لن نقبل أن يقودنا هواة العمل السياسي والمرضى النفسانيين, وشذاذ الآفاق إلى التهلكة.. لن نقبل ولن نرضى.