جعفر عباس

شنو؟ وشهو اللي تقوله يا عيوش؟


خلال ندوة نظمتها مؤسسة «زاكورة للتربية»، دعا رجل الأعمال المغربي نور الدين عيوش، إلى اعتماد العامية المغربية لغة للتدريس، وتم إحالة التوصية إلى الديوان الملكي ومجلس الوزراء، ومنذ عقود دعا الشاعر اللبناني سعيد عقل إلى جعل اللغة المحلية في بلاده لغة التدريس والعمل الرسمي، ولكن المقترح نفق، وانشغل اللبنانيون بأمور أكثر أهمية مثل القتل على الهوية، والبحث عن أوطان بديلة، وليس انتهاءً بتقاسم شهر آذار/ مارس بين فريقين أحدهما يحمل الرقم 14 والآخر الرقم 8
وعندما اطلعت على دعوة عيوش وجدت نفسي أتساءل: وشهو؟ شنو؟ شي؟ شنهو؟ وللقراء الأميين أقول إن كلمة «ماذا» تقوم مقام الكلمات الأربع التي تساءلت بها، وعندي سعال يا سيد عيوش (ولا تقاطعني قائلاً: عيوش ليس طبيباً لتشكو له من السعال! لأن سعالي «سؤال» في عاميات أجزاء من السودان وفلسطين وربما غيرهما): إزاي وشلون هيدا لقتراح؟ ولو افترضنا أن جيلاً من المغاربة تلقى العلم من المهد إلى الدكتوراه بالعامية المغربية، فإن أبناء وبنات هذا الجيل لن يستطيعوا التواصل مع رصفائهم في بقية الدول العربية، مما يعني أن ذلك الجيل لن يجد فرص عمل في الدول العربية الغنية، الجاذبة للعمالة من الخارج، فليس من الوارد أن توظف أية دولة عربية مترجماً لكل طبيب أو صحفي أو أستاذ جامعي مغربي يعمل لديها.
ودعني أحكي لك تجربة شخصية مع العامية المغربية، فقد كنت مكلفاً بالترجمة الفورية من العربية إلى الإنجليزية في المؤتمر الإقليمي لمنظمة «هابيتات/ الإيواء» الدولية في فندق حياة ريجنسي في دبي، وجاء الدور على مندوب المغرب، وبدأ يرتجل بالعامية، ولم أفلح في ترجمة كلمة مما كان يقوله، وكان رئيس المنظمة كندياً، فأشار إلي وأنا قابع في زنزانتي الزجاجية، بما يفيد أنه لا يسمعني، فقلت في المايكروفون بالنص (بالعربي!!): أنا طالع كيت، وقلت بالإنجليزية إنها عبارة سودانية تعني إن الشخص لا يفهم ما يقال أو يدور من حوله، وانفجرت القاعة بالضحك، لأن جميع الوفود العربية، باستثناء الوفد الجزائري، كانوا يضعون السماعات على آذانهم، ليفهموا من المترجم العبقري ما يقوله زميلهم بالعربية المحلية لبلاده.
ورغم أنني لم أزر المغرب، إلا أنني أحلف بالطلاق بقلب جامد، أنه لا توجد لهجة مغربية عربية، بل «لهجات» عربية مغربية، كما هو الحال في معظم الدول العربية، حيث تتقارب اللهجات وتتباعد من إقليم إلى آخر، داخل كل دولة، ورغم أنني سوداني مُزمن، إلا أنني لا أفهم كلام سودانيين مثلي، واضطررت أكثر من مرة للاستعانة بصديق كي أعرف ما هو الديس/ الدروع/ الخنتيلة! وعرفت أن «البار» في جزء من غرب السودان لا يعني الخمارة/ الحانة بل «الأبقار»، ويا ما تعرض أطباء أسنان سودانيون حديثو عهد بمنطقة الخليج، للطعن في كفاءاتهم، بل وقواهم العقلية، لأن الواحد منهم يقول لمريضه الخليجي: لو سمحت افتح خشمك، فيسأل المريض الطبيب: وش فيك؟ الأسنان عندكم في السودان تكون في الخشم؟ المهم يا سيد عيوش أن الخشم عندنا في السودان وفي أجزاء من جنوب مصر، هو الفم، بينما هو عند الخليجيين (وهم على صواب) هو الأنف.
وفي بريطانيا سيدة اللغة الإنجليزية التي تسيدت الساحة الدولية، فإن كلام أهل مانشستر يختلف عن كلام أهل لندن، ولا يفهم سكان ليفربول، كلام ساكني نيو كاسل، ومن ثم فإن التدريس في بريطانيا يكون بما يسمى ستاندرد إنقليش/ الإنجليزية المعيارية القياسية، وهي «الفصحى»، وعلى كل فلن تصبح عامية أي بلد عربي لغة رسمية في الدراسة أو الدواوين، مهما كان حظ الأجيال الشابة من الفصحى بائساً.