غنّت ورقصت ثم قبّلت أختها الرضيعة فقتلتها قذيفة روسية.. حكاية الطفلة السورية رغد
رغد، البالغة من العمر 5 أعوام، تحب الغناء، طلاء الأظافر وإغاظة أختها الصغرى بالحروف الأبجدية التي بدأت بتعلمها في الحضانة. في آخر صور التُقِطَت لها قبل القصف الروسي بعشر دقائق، كانت تتباهى بسوارها الجديد وأظافرها التي طلتها للتوّ باللون الأصفر، ثم قبّلت أختها الرضيعة.
“عدتُّ بأبنائي إلى سوريا قبل 6 أيام فقط”، هذا ما تقوله سهير، والدة رغد، بينما تطالع مقطعاً مصوراً لطفلتها عبر هاتفها المحمول، تستعيد فيه ابنتها حيّة للحظات. حسين، ابنها والأخ الأصغر لرغد، لا يتجاوز عمره 4 سنوات، ينحنى إلى أمه ليجفف دموعها، هو أصغر من أن يفهم لماذا غابت أخته للأبد، يربت على أمه بكلمات رقيقة غير مرتبة: “ماما.. لا.. ماما”.
رغد ترقد الآن على بعد أميال، وراء الحدود التركية، في سوريا، جثمانها مدفون في مدينة الهبيط، بالقرب من إدلب، حيث ماتت إلى جوار جدّها وخالها أحمد. حين انتهى القصف، عُثر عليها مضمومةً بين ذراعيه. أحمد الذي كان مدرساً للرياضيات ويبلغ من العمر 28 عاماً حاول الإسراع بها إلى مخبأ حين سقطت أول قنبلة.
مخبأ الحديقة
نجحوا في الوصول إلى مخبأ صغير بالحديقة، لكن قذيفة سقطت تماماً أمام مدخل مخبئهم، وجسد أحمد لم يكن قوياً بالقدر الكافي لحمايتها، نجت رغد وبقت على قيد الحياة عقب الانفجار الأول، لكنها ماتت في الطريق إلى المستشفى على ظهر دراجة نارية. تقول سهير: “كان من المفترض أن نعود للمنزل في اليوم التالي، زوجي لن يرى ابنته مجدداً أبداً”.
هذه العائلة واحدة من مئات العائلات الممزقة منذ أكثر من شهرين بفعل القصف الروسي الشديد لمعارضي بشار الأسد، بينما يقول الضحايا والمقاتلون إن القصف يطال أماكن بعيدة جداً عن الجبهة.
القصف الجوي للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قتل مدنيين أيضاً، لكن كانت لديه قواعد اشتباك أكثر صرامة. ولا تقارير عن سقوط خسائر بشرية بين صفوف المدنيين خلال القصف الجوي على حقل بترول آل عمر بطائرات “تورنادو” البريطانية خلال هذا الأسبوع.
استهداف المدنيين ليلاً
يقول السوريون إن الروس ليسوا فقط غير آبهين باختيار أهدافهم، بل يبدو أنهم يستهدفون مواقع المدنيين عمداً.
يقول الناجون من القصف، الأطباء الذين يعالجون الجرحى وقادة المناطق المحليين: “إن طائراتسوخوي الروسية القادمة من القاعدة الجوية الجديدة على ساحل اللاذقية تقصف المنازل عمداً للنيل من الروح المعنوية للمقاتلين، ولإخلاء الريف من السكان”.
أبوحسن، قائد كتيبة الثوار التركماني المنشق عن الجيش السوري النظامي، يقول إنهم يستهدفون المدنيين ليلاً وجبهات القتال خلال النهار. فهم يريدون ألا يتمكن أحدٌ من تصوير طائراتهم وهي تقصف خلال الليل، بحيث لا تُعرف هويتها على وجه التحديد.
القصف الجوي الروسي قتل ما لا يقل عن 295 مدنياً خلال أكتوبر/تشرين الأول فقط، وفقاً لرصد أجراه فريق “Airwars” الذي يحتفظ بقواعد بيانات مكثفة تضم صوراً ومقاطع فيديو، تقارير وسيّراً ذاتية للقتلى.
أعداد القتلى المدنيين يتضاعف
كريس وود، مدير مشروع “Airwars”، يقول إنه بناءً على كافة التقارير الميدانية، فإن أعداد الضحايا المدنيين نتيجة للقصف الروسي أضعاف أعداد ضحايا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. نعتقد أن السبب الرئيسي في الخسائر المرتفعة جداً هو الذخائر التي تستخدمها روسيا ومعظمها من نوع “القنابل الغبية” التي تخلف مدنيين، كما يتعلق الأمر أيضاً بالأمكنة التي تقصفها روسيا، فلا شك أنها تقصف أحياءً سكنية يقطنها مدنيون.
تقارير Airwars عن قصف مدينة الهبيط تأتي مطابقة لرواية عائلة رغد، كما تتوافق مع التقارير الروسية بشأن الغارات الجوية التي نفذتها في المنطقة. فريق رصد سوري آخر أكد تفاصيل الهجوم، كما صوَّر نشطاء بارزون في مجال حقوق الإنسان لا يزالون يعملون في سوريا جسدَ الفتاة الصغيرة.
قالت العائلة إنها لم تتوقع قصفاً جويا رغم أن الطائرات الروسية كانت تحلق فوق المنطقة منذ 4 أيام فيما بدا أنه كان بغرض المراقبة. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال إن مقاتليه يعملون على استهداف “الجماعات الإرهابية”، رغم أن منازل الأهالي المدنيين تبعد أكثر من 60 ميلاً (97 كم) عن أقرب تمركز لقوات “داعش”.
حتى عندما اتضح أن الطائرات الروسية تركز على استهداف معارضي بشار الأسد أكثر من استهداف تنظيم داعش، كان خط الجبهة لا زال بعيداً جداً. سيستغرق المدنيون أياماً حتى يعرفوا أنهم نصب أعين طائرات القصف؛ نظراً للمعلومات المشوشة حول الأهداف، وبطء وعدم مصداقية الأخبار الآتية من سوريا.
العديد من العاملين بالمستشفيات، الذين يعالجون الجرحى وينقلون أولئك الذين في حالة حرجة لتلقي العلاج في تركيا، يخشون أن الغرب لا يكترث بالضحايا المدنيين، وأن محاربة “داعش” تنسيهم المدنيين الذين يخلفهم القصف الروسي.
لم يتكلم أحد
“لقد انقضى 48 يوماً على بدء القصف ولم يتكلم أحد”، هكذا يقول أبوحمزة سليمان، الطبيب بمستشفى ميداني بمدينة جسر الشغور القريبة، التي يستهدفها القصف الروسي أيضاً، ويضيف قائلاً: “لم يتبقّ مدنيون في منازلهم بسبب القصف الذي طال كل القرى تقريباً. بإمكاني أن أتفهم قصف مواقع المقاتلين، لكن ماذا عن المدنيين؟! إحدى القذائف سقطت تماماً خارج مستشفى للولادة. هذه أسوأ تجربة خلال آخر 4 أعوام. أنا من قرية صغيرة في هذه المنطقة الجبلية، ولزمن طويل لم يطل هذه المنطقة أي قصف، لكن منذ أن بدأ القصف الروسي، تم استهداف كل قرية”.
المزيد من القتل يرسخ الحرب أكثر ويؤجج التطرف، فالمقاتلون المناهضون للأسد يريدون الانتقام، ونقمتهم على ضعف قوة كل منهم على حدة تدفعهم للتحالف مع قوى المعارضة القوية، ومن بينها “داعش”.
يقول علي، عم رغد: “داعش ليست جيدة جداً، لكن الكثير من الناس يعتقدون أنها تفعل الشيء الصحيح ضد النظام”. علي يقاتل في صفوف الجيش السوري الحر الذي يرغب أخواه أيضاً في الانضمام إليه سعياً للانتقام.
علي الذي لم يكن في المنزل أثناء القصف، يخشى أن عائلات أخرى قد تسعى لحلول أكثر راديكالية، “لا وجود لداعش في المنطقة، ولكن سيكون لها وجود قريباً”.
هذا المحتوى مترجم عن موقع “الجارديان” البريطانية للاطّلاع على المادة الأصلية اضغط هنا
huffpostarabi