سعد الدين إبراهيم

المهم إنو الحوار يستمر ما ينقطع


الحوار ضرورة والاتفاق على الحوار يعني وضع الشروط جانباً، فالحوار يصنع شروطه.. ولن يستقيم الحوار إلا إذا أفضى إلى حوارات متعددة .. حوار مع الآخر من الضلع المتمرد أو الثائر ..حوار مع الآخر عربياً.. حوار مع الآخر أفريقياً .. حوار مع الآخر عالمياً.. إن لم يفضِ الحوار إلى هذه التخوم مهما بدت بعيدة يكون ناقصاً..
عربياً نحتاج إلى حوار بناء وجاد مع الجارة العزيزة “مصر”.. فالتوترات معها يجب أن تهدأ.. ولأن إعلامنا مهما تجرأ فهو إعلام مؤدب جداً.. ولا يعني هذا أن إعلامهم غير مؤدب.. إنما أكثر جرأة وأكثر حدة.. الغريب أن يكون إعلامي صديق مثل “هاني رسلان” فظاً تجاه “السودان”، مع أن “السودان” فتح له الأحضان المشرعة وزكاه خبيراً أفريقياً. وأن يكون مفكر مثل “مصطفى الفقي” معقولاً في طرحه، مع أنه موتور تجاه موقف “السودان” ضد ترشحه أميناً لجامعة الدول العربية، المهم لا بد من حوار يقطع دابر الخلاف.
حقيقة لم ينسَ بعض قدامى المثقفين المنتمين للناصرية في عنفوانها وحين طرحت مبدأ الوحدة العربية وكانت تراهن على الاتحاديين برئاسة الأزهري على تصويتهم لوحدة وادي النيل، فلم يحدث ذلك فارتبكت الفكرة القومية العربية ابنة أو أم فكرة الوحدة العربية، مما حدا بـ”مصر” الناصرية أن تذهب بعيداً فتختار الاتحاد مع “سوريا” والذي لم يصمد.. أما كثير من المثقفين الصغار لا يرون في “السودان” سوى مشاكل ولجوء وموئل سياحة وعلاج وترفيه.. حتى أن بعض السودانيين من العاملين بالخارج يقضون إجازاتهم في “مصر”.. ولو كانت هنالك إحصائيات بحجم العملة الصعبة التي يضخها المواطن السوداني في رحلته إلى مصر.. ربما تقنع هؤلاء بأن المصالح متبادلة والمنافع سجال.. نحتاج أيضاً إلى حوار أفريقي مع “أثيوبيا” في البدء ثم الاتجاه إلى “يوغندا” و”جنوب السودان” وغيرها.. والحوار مع “أثيوبيا” سهل بيننا ملامح ثقافية وحتى جينية مشتركة معها لا تستطيع التمييز بين الأثيوبي والسوداني من سحنتيهما.
الحوار مع العالم.. أنفقنا زمننا في الحوار مع “أمريكا”.. و”أمريكا” هي ضل الفيل.. والفيل هو “إسرائيل”.. والحوار معها يستعصى لأسباب كثيرة لكن إذا كان الحوار جعلنا نجلس مع حركات مسلحة قتلت وجرحت وشردت.. وإذا كان الحوار جعلنا نجلس مع “جنوب السودان” الذي قدمت القوات المسلحة السودانية من أجله آلاف الشهداء منذ نيل الاستقلال وحتى عشية الانفصال.. مع ذلك أفضى الحوار إلى ما أفضى.. وإذا كانت دول عربية كبيرة حاورت “إسرائيل” وتخطت الحوار إلى التمثيل الدبلوماسي بسفارات عديل كده.. ولم ينقص ذلك من ولائها لأمتها.. وربما رفضت التطبيع.. الحوار إذاً لا يكلفنا سوى اجتياز الحواجز دون المساس بحقوق الشعب الفلسطيني التي ربما كان حوارنا يجعلنا نقوم بعمل تفاهمات تفضي إلى تقليل عنفوان الحقد الإسرائيلي.. الحوار ليس نزهة.. إنه عملية باهظة التكاليف وتحتاج إلى تنازلات كثيرة.. فهل نقدر عليها؟.. فالموازنة صعبة.. صعبة جداً!