حداشر ونص
كنا نطالع أخبار سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني بلغة (الارتفاع) ثم تحولت إلى لغة (القفز العالي).. وبعد أن تفاقمت الأزمة استدعت مفردات أكثر فصاحة في التوصيف من معنى القفز والوثب والارتفاع.. فدخلت مفردة (انهيار)، لكن المفردة فقدت فصاحتها في توصيف المعنى بعد وقت قصير ولم تعد مفردة معبرة.
وحين تجاوز سعر صرف الدولار في الموازي العشرة جنيهات وصفوا ذلك بتجاوز (الرقم القياسي) وقالوا إنه أعلى معدل يصل إليه سعر صرف الدولار أمام الجنيه السوداني على مدى التاريخ.
الآن وصل السيد الدولار محطة (حداشر ونص) 11.5 حيث لا لغة ولا قاموس يشرح المعنى ولم يتبق من مفردات الاقتصاد لفظاً يناسب أو عبارة تحمل شحنة الوجل والإحباط فنحن تجاوزنا الرقم القياسي على مدى التاريخ منذ فترة ولم ينفع الحديث والقياس بـ (مدى التاريخ) اللهم إلا إذا تخطينا سور التاريخ وفاصله الزمني لنبحث عن معادل ومشابه لهذا الحال في عصور ما قبل التاريخ وما قبل المعرفة وما قبل الكتابة وما قبل نظريات الاقتصاد لقد فصلنا وضعنا الاقتصادي عن هذا الزمان بالكامل..
فصلتنا هذه الأزمة التي لا نعرف لها حلا ولا يعرف لها أي منظر من منظري الاقتصاد في بلادنا نهاية أو معالجة تنقذنا من هذا الويل.
( حداشر ونص) رقم مخيف.. ويعد اقتصادنا بالتلاشي والزوال ويعدنا نحن بفصول من الويلات المعيشية القاسية في هذا البلد بعد ليل الغاز الذي لم ينجل بعد، نسأل الله اللطف بأهل هذا البلد.. المرضى منهم والأصحاء..
يقولون إن البنك المركزي تنافخ وعداً وأطلق تصريحات مجلجلة بعاصفة من الحزم والمنشورات والضوابط الجديدة لوقف انفلات الدولار مقابل الجنيه وكأن الدولار لا يزال ينافس هذا الجنيه الصريع.. ماذا سيفعل الدولار بالجنيه أكثر مما فعل، وماذا ستفعل هذه الإجراءات في واقع اقتصادي مختل ومعتل الآخر..؟
كلما تتحدث الحكومة عن خطوات لوقف انفلات الدولار يكون رد السوق الأسود على مثل هذا الحديث بصفعة كيدية وزيادة فورية لسعره.. سمعنا بالذهب كعلاج للمشكلة ولكن ما إن أعلنت الحكومة عن اتفاقها على استخراج كميات ضخمة من الذهب ستغير وضع البلاد الاقتصادي إلا وأرسل السوق الأسود قاذفاته الفورية قاذفات السوخوي التي لا ترصدها رادارات البنك المركزي على الحدود مثلما ترصد دفاعات أردوغان طائرات الروس المتجاوزة للحدود وتسقطها.. كلما تحدثت الحكومة عن بشريات فاجأها سوق العملة على الفور بزيادة جديدة في سعر الدولار، هذا الوضع تكرر منذ بشارات الوديعة القطرية والاتفاقيات السعودية والعودة الماليزية والوعد الصيني والروسي.. ألا تلاحظون ذلك.. ألا تلاحظون أن البشريات الاقتصادية كلها كانت مقرونة ومتبوعة مباشرة بتفاقم جديد في أزمة سوق الصرف.
هناك خلل ما وهناك عصابات متمكنة تحرك أحجار السوق السوداء على رقعة هذا الشطرنج الاقتصادي الممل..
لم نعد على استعداد للتفاؤل بإجراءات المركزي أو بأي خطوات إسعافية قبل أن يتم التشخيص السليم للمشكلة، وطرح علاج علمي مجرب ومضمون النتائج لن نجامل بالتفاؤل بمشاهد جديدة من التخبط الاقتصادي وغياب الرؤية.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين