الوجود الأجنبي ورئيس الجمهورية
ما أن أصدر مفوض اللاجئين بالخرطوم محمد مصطفى السناري تصريحه حول الأخطار الأمنية والأعباء الاقتصادية والاجتماعية الضخمة التي يشكلها الوجود الأجنبي على البلاد، حتى انتفض بعض أفراد قبيلة النعام غضباً عليه وتقريعاً له على تحذيراته التي أملاها عليه ضميره المهني وواجبه الأخلاقي. ووالله لا أدري متى نتخلص من هذه الانفعالات العاطفية العارمة التي تطلق في غير موضعها.. تحجب حين يقتضيها الموقف وتطلق حين يكون مطلوباً كبحها، سيما وبلادنا تعاني هذه الأيام من اختناقات مخيفة وضوائق مرعبة.. شحاً في الغاز والكهرباء والمياه والوقود، وضعفاً في الاقتصاد وانخفاضاً في قيمة العملة الوطنية وتحذيرات من أيام نحسات نخشى أن تعصف بمستقبلنا واستقرارنا السياسي.
أمامي عدد الرابع من سبتمبر من صحيفة (السوداني) التي أبرزت خبر توجيه مجلس الوزراء لوزير الداخلية بحصر الوجود الأجنبي ومكافحة الجريمة، والذي تناول صناعة وترويج الخمور البلدية التي بلغ حجمها في (كشة) واحدة في محلية أمبدة مئات المخالفين والمخالفات من اللاجئين الجنوبيين، مع القبض على عدد كبير من معتادي الإجرام.
النائب الأول تحدث قبل يومين عن أعباء الهجرة الأجنبية خاصة على الخرطوم التي تعاني من ضعف الموارد لمقابلة احتياجات التنمية.
والي الخرطوم تحدث عن نصف مليون لاجئ جنوبي في العاصمة.
الوجود الأثيوبي لا يكاد يخلو منه بيت في العاصمة ناهيك عن المكاتب والمؤسسات والمطاعم والكافتيريات وحتى ستات الشاي في كل أرجاء السودان!.
الخبير الإستراتيجي بروف محمد أبوصالح الوزير بولاية الخرطوم حذر من أخطار الهجرات الأجنبية على هوية البلاد وتماسكها الاجتماعي.
حتى الألماني رالف ماتيوس مدير إدارة التعاون التنموي بوزارة التعاون الدولي بالمانيا حذر خلال زيارته للسودان أوائل هذا الشهر في خبر منشور في (اليوم التالي) من (الآثار الأمنية والاقتصادية المترتبة على استضافة السودان أعداداً كبيرة من اللاجئين، مشيراً إلى أن (العدد الضخم للاجئين يسهم في خلق أزمة للأمن في المانيا)، وربما كان الرجل يشير من طرف خفي لانفجارات باريس التي هزت أوروبا مؤخراً.
أقول إن بلادنا تعاني من فوضى عارمة ووجود أجنبي كثيف لا حصر أو رصد دقيق له لتجنب ما يمكن أن يشكله من أخطار أمنية أو اقتصادية أو صحية أو اجتماعية أو أخلاقية.
تعالوا بنا نعقد المقارنة مع العالم المتحضر، فقد تدنت شعبية المستشارة الألمانية أنجيلا ميريكل لأول مرة منذ أن تولت دفة القيادة في بلادها لمجرد أنها وافقت على استضافة عدد محدود من اللاجئين السوريين.. ثم اتفقت بعض الدول الأوروبية تحت ضغط الأزمة الإنسانية التي ألقت باللاجئين الفارين من جحيم الحرب الأهلية في بلادهم على الشواطئ الأوروبية على تحديد (كوتات) محدودة لكل دولة ورغم ذلك رفضت بعض الدول استقبال اللاجئين السوريين، أذكر منها المجر التي تحدث رئيس وزرائها عن الخطر الأمني الذي يشكله اللاجئون على أمنهم القومي وعلى تماسك نسيجهم الاجتماعي والثقافي.
ذلك كان سلوك أوروبا المترفة التي (تحسبها صاح) رغم تشدقها بشعارات حقوق الإنسان، بينما نحن المعدمين الذين نعاني من ضيق الحال من حيث تردي الخدمات وانعدام الضروريات (نبهل) حدودنا (للغاشي والماشي) بلا تخطيط ولا تنظيم ولا دراسة لتأثير الهجرة على حاضرنا ومستقبلنا واستقرارنا السياسي والأمني.
تركيا التي ظلت عضواً في حلف شمال الأطلسي منذ عقود من الزمان ترفض أوروبا المسيحية ضمها إلى الاتحاد الأوروبي بينما تضم إليها دول شرق أوروبا المنعتقة حديثاً من نير الشيوعية لا لسبب إلا لأنها مسيحية!.
إنهم لا يتركون شيئاً للصدفة، فكل شيء محسوب بدقة.. تأثير الهجرة الأجنبية أو ضم أعضاء جدد لاتحادهم الأوروبي على نسيجهم وتماسكهم الاجتماعي وهويتهم الثقافية والحضارية، وأوضاعهم الاقتصادية. أما نحن فلا ضير في أن نفتح الأبواب على مصاريعها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بلادنا موبوءة بالحروب التي تفتك بها والتمردات التي تمسك بخناقها والأزمات الاقتصادية التي تتفاقم بدلاً من أن تتراجع، ورغم ذلك تصر بعض نخبنا على النظر تحت أقدامها مسودة الصحف الورقية والإلكترونية بالأحاديث العاطفية التي تدعو إلى فتح أبواب الهجرة لأبناء الجنوب بل لاعتبارهم مواطنين يحق لهم ما يحق للمواطن السوداني رغم أنه بات يتضور جوعاً إلى خدمات الغاز والكهرباء والمياه التي كانت قبل سنوات قليلة متوفرة بأكثر مما هي عليه اليوم.
حتى تنظيم الوجود الأجنبي يعترض عليه بعض الناس (الحنان) فحين تحدث بعض المسؤولين عن أهمية معالجة الوجود الأجنبي، بحيث يُنقل اللاجئون إلى مناطق وولايات أخرى حدودية ريثما تنصلح الأوضاع الأمنية والمعيشية في بلادهم، هاجت بعض النخب وماجت مناديةً بالسماح لهم بالتجول والإقامة في كل مكان يختارونه لا يهم إن كان ذلك مما يشكل خطراً على الأمن القومي أو عبئاً اقتصادياً أو غير ذلك.
أذكركم مرة أخرى بما يفقع المرارة أن السودان وقع مذكرة تفاهم مع الأمم المتحدة لاستخراج وثائق ثبوتية لنصف مليون مواطن جنوبي للحصول على أذونات الدخول بل والعمل والإقامة!
نحمد الله تعالى أن مذكرة التفاهم لا تمثل أمراً ملزماً إلى أن تصبح اتفاقية مبرمة كما نحمده تعالى أن اتفاقية الحريات الأربع التي وقعها أولاد نيفاشا عصفت بها التطورات السالبة في العلاقة ببن الدولتين ورغم ذلك.. الله يستر من عودة الحمائم وعصافير الخريف!.
إنني أناشد السيد رئيس الجمهورية أن يولي أمر الهجرة الأجنبية عنايته الشخصية، فالأمر أخطر من أن يترك لأي مستوى أدنى، سيما وقد رأينا إهمالاً كبيراً في التعامل معه.