منصور ولينا … يا لما تخبئه السطور 2-2
كنا، أشرنا أمس إلى ما سمَّيناها (ملاحظاتنا) حول (ملاحظات) منصور خالد حول الصحافة السودانية، والتي بدت بالنسبة لي، رغم اتفاقي معه في النتيجة التي خلص إليها، قاسية، كونها أغفلت ذكر الأسباب التي أوصلت صحافتنا إلى توسل ما وصفه بالمنهج الرديء أسلوباً لعملها، ولعل الرجل عمد إلى التنصل عن ذكر الأسباب بقصد منه، لأنه لو ذكرها – لما امتنع عن الإجابة على أسئلة أخرى، عديدة – كانت (لينا) طرحتها عليه، فأدار لها (للأسئلة) الظهر، وولاها حوارئنذٍ دُبره، وليته لم يفعل.
وهنا لا بُدّ من العودة خطفاً إلى الجزء الأول من الحوار، لننظر كيف ابتدر الرجل إيغاله في (النيل) من الصحافة خارج الأسئلة المطروحة، سألته (لينا): “بعد أن حدث الانفصال.. هل هناك معلومات جديدة تستحق أن تُروى أو يمكن تصنيفها من الأسرار؟، أجاب: افتكر أن الكتاب، يعني (كتابه الجديد عن الانفصال)، فيه معلومات كثيرة جديدة.. المعلومات يشوهها ما يُنشر في الصحف، وما آفة الأخبار إلا رُواتها. هنا وكـأني به زجّ الصحافة زجاً وحشرها حشراً واتهمها مُسبقاً مفترضاً أنها لا محالة ستشوه ما ورد في كتابه من معلومات.
بطبيعة الحال، ما كان أمامي بُدٌّ ولا سبيلًا إلا أن يتلبسني شعور بأن الرجل أُصيب بفوبيا الصحافة بغتة، وهو أحد فاعليها وناشيطها العِظام وروادها الأفذاذ، وبصفته هذه ، كان حرياً به – على الأقل – أن يقّدم رأيه هذا مقترنًا بالأسباب التي جعلت الصحافة في هذه البلاد والبلاد العربية (رديئة)، فيما الإنجليزية – مثلًا – ليست كذلك، بحسب الرجل نفسه.
في ظني، لو فعل ذلك، لعمت الرداءة الجميع – وفي مقدمتهم السياسيون – إذ هم لا غيرهم، من انتجوا هذا الواقع السياسي شديد الرداءة والانحطاط، وبالتالي فإن هذا الواقع يفرز بالضرورة صحافة وثقافة ومجتمع بذات التوصيف. ولعل التركيز العالي على العرض الجانبي دون الداء الذي أفضى إليه يشي بتحامل غير ضروري ولا مطلوب، خاصة من رجل مثل منصور خالد، لا تغيب عنه الأسباب التي انحطت ليس بالصحافة فحسب بكل وبكافة أوجه الحياة في البلاد.
للأسف، أجدني مُضطراً للمُقاربة بين منطق منصور في (نقده) للصحافة خارج المُعطيات والسياقات والظروف السياسية التي تعمل ضمنها بذات المنطق الذي تتمثله النُخب السياسية الاستبدادية والفاشلة التي تجثم على دول (العالم الثالث)، إذ تعزل عنها (الرداءة) التي تسود تلك البلدان رغم أنها (صنع) يديها وتعلقها على مشاجب أخرى (الصحافة) أو (الشعوب) نفسها، فكم من سياسيين وصفوا شعوبهم بالكسل والرداءة والخمول والغباء؟.
خلاصة القول، إن صحافتنا رديئة، لأنها تعمل ضمن معطيات رديئة، وأي قراءة لذلك خارج السياق تغدو محض استخفاف وخفة تنجم عنهما بالضرورة نتائج خاطئة. وعليه فإن منصوراً بدا لي وكأنه يتحامل على الصحافة التي تعاني عجزاً وخللاً – لا شك – لكنهما – لا شك أيضاً – ناجمان عن ظروف موضوعية – كما أسلفنا – ظروف تجعل كثيراً من السياسيين، من الذين يقبلوا بأن يطأطئوا رؤوسهم لقوى عمياء، غيبية أو خرافية، يظهرون منتفخو الذوات توهماً، يظنون أن الناس غائبون عن حضورهم الباهر في تأسيس لخراب العميم الذي نعيشه اليوم.