جعفر عباس

جعلونا «فئران» ونصبوا لنا المصايد (1)

أرجو أن تسنح الفرصة لكل من يجيد الانجليزية أن يقرأ كتاب الصحفية الكندية سونيا شاه وعنوانه «صائدو الأجساد: اختبار الأدوية الجديدة على المرضى الأكثر فقراً في العالم»
The Body Hunters: Testing New drugs on the World?s Poorest Patients
قرأت الكتاب، وأصبت بالإحباط نيابة عنك، لأنني أدركت أنك «فأر». ولا تغضب مني، فأنا أيضا فأر مثلك، ولا تزعل مني لأنني لم أقل «لا مؤاخذة» قبل كلمة فأر، فأنا لا أحب استخدام هذه العبارة، عند التحدث عن الأحذية والحمير وحتى دورات المياه، فهذه أشياء مهمة وضرورية، فعلام التحرج والاعتذار عند ذكرها؟ أما السبب الرئيس الذي يجعلني أنفر من تلك العبارة فهو أن بعض رجالنا البواسل، يستخدمونها قبل ذكر كلمة امرأة أو زوجة، ورجل يرى أن الزوجة أو أي امرأة في مرتبة دورة المياه أو الحمار أو الحذاء، يستحق الـ»لا مؤاخذة» عن جدارة، إلى ان نتوصل إلى عبارة أكثر قسوة منها لوصفه بها!
كتاب شاه يتناول تكالب شركات الأدوية على الدول النامية لجعل مواطنيها فئران تجارب للأدوية الجديدة، وعلى سبيل المثال فمختبرات بروينغر إينغلهايم لديها مبنى في أفقر أحياء مدينة كيب تاون بجنوب افريقيا، وشركة الأدوية العملاقة نورفاتيس شيدت مبنى في حي فقير في مدينة مومباي (بومباي سابقاً) في الهند، ولحقت بها شركات أكثر شهرة مثل فايزر وغلاكسو سميث آند كلاين واسترازينيكا.
في بلد مثل الولايات المتحدة ينسحب نحو 70% من المشاركين في اختبارات الأدوية، قبل اكتمال الاختبارات، بينما تبلغ نسبة الصمود والتصدي، بين المشاركين في تلك الاختبارات في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية فوق الـ 99%. فالفقير الأفريقي أو الآسيوي كائن بلا حقوق، ولو مات نتيجة لاستخدام دواء جديد تحت التجريب، فالتعويض الذي يناله ذووه هو تحويل واحد منهم إلى فأر ليحصل على بضعة مئات من الدولارات نظير الاشتراك في تجارب تستمر ما بين العام والعامين.
كتبت مقالاً حول هذا الموضوع في صحيفة خليجية واسعة الانتشار قبل عامين، ونقلته عنها صحيفة النيلين الالكترونية، فجاءتني قبل أسبوعين رسالة «تحية» من موقع alltrials.net المعني برصد التجاوزات في الأدوية والأساليب العلاجية المطبقة في مختلف بلدان العالم، وبين القائمين على أمر الموقع والمعنيين برصد وضبط التجاوزات، في مجال صنع وتسويق العقاقير الطبية طبيبة أردنية اسمها فاطمة عيسى (من الواضح أنها من أوصل المقال إلى الخواجات)، وتمت دعوتي للانضمام إلى تلك الشبكة والمساهمة في نشر الوعي حول تجريب وتسويق الأدوية (وهم يحسبون أن تحت قبتي «شيخ).
ورغم ضحالة ثقافتي الطبية، إلا أنني ظللت على مدى سنوات أتعجب من سكوت السلطات الصحية عندنا على تحويل شعبنا إلى فئران تجارب لعقاقير ومساحيق ومعاجين ودهانات، لم تتم إجازتها من قبل أية هيئة دوائية أو طبية، علماً بأنه ينبغي تجريب أي منتج يتعلق بأي شيء يلامس جسم الانسان أو يدخل جوفه على الفئران أو أي نوع من الحيوانات، قبل سنوات من طرحه في الأسواق.
عندنا في السودان تستطيع جهة ما أن تزعم أنها تملك عشبة تضمن الشفاء التام من الصلع (ولم نكن نعرف ان الصلع «مرض»، وبالتالي هناك شفاء تام منه وليس «علاج مؤقت» كما يقول الإعلان التلفزيوني الركيك، والذي يفيد بأنه ليس للعلاج «آسار جانبية» – كذا -) وتستخدم العقار العشبي، ويا للهول: وبعد عشرين دقيقة تمسك بمشط ذي أسنان غليظة وتمرره في غابة من الشعر الخالي من القمل، على رأسك الخالي من العقل.