جعلونا «فئران» ونصبوا لنا المصايد (3)
معظم الأدوية التي يتم تجريبها على مواطني الدول الفقيرة، تهدف إلى تحسين حياة سكان الدول الغربية، فأمراض مثل الملاريا والسل التي يعاني منهما أكثر من بليوني شخص في الدول الغلبانة، لا تحظى بأي اهتمام من قبل شركات الأدوية، لأن القوة الشرائية لمواطني تلك الدول ضعيفة، كما وأن أي دواء يحتاجه بلايين الناس يكون بالضرورة زهيد الثمن، وبالتالي فالأدوية المتاحة للسل والملاريا سلفاً قليلة الثمن، واي دواء يكون مردوده أقل من 200 مليون دولار سنوياً، «أنساه.. ما يلزمناش»!
بالمقابل انظر إلى عقار مثل الفياغرا. هو بالتأكيد دواء مهم ويسهم في حل مشكلات انسانية لأن هناك ملايين الرجال العاجزين عن الإنجاب، لأنهم من مستحقي عقار من شاكلة الفياغرا، ولكنهم أقلية لا تكاد تذكر مقارنة بضحايا الحميات والسل، ولكن شركة فايزر التي أنتجت الفياغرا بعد أبحاث ودراسات كلفت مئات الملايين، كانت تدرك أنه عقار ترفي بذخي في جانب كبير منه، بمعنى انه سيجد قبولاً وإقبالاً حتى ممن لا يعانون من ضعف في القدرات الجنسية (كشفت المسوحات ان معظم مستهلكي الفياغرا وأخواتها مثل السنافي/ السياليس في العالم العربي – مثلا – من الشباب الذين لا يعانون من أي ضعف جنسي)، ومن ثم فإن قيمة قرص واحد منه أعلى من قيمة 60 قرصاً لعلاج الملاريا.
ولهذا وقع عبء تطوير عقارات وأمصال تتعلق بمعالجة الملاريا والسل والوقاية منها على جهة غير ربحية، هي هيئة الصحة العالمية، أما شركات الأدوية التجارية فمشغولة بإنتاج وتسويق عقاقير يحتاج إليها الشبعانون في الغرب: أمراض القلب والشرايين والتهابات المفاصل وارتفاع ضغط الدم وترقق العظام، وهي أمراض عليها القيمة وعلاجها بالشيء الفلاني. (لا أعرف كم يساوي الشيء الفلاني، ولا ماهي السبعة وذمتها التي «يسويها» البعض)، والولايات المتحدة وحدها تستهلك نحو 25% من العقاقير التي تعالج تلك الأمراض (في الواقع لا يوجد حتى الآن عقار «يعالج» تلك الأمراض، وتأثير الأدوية المتاحة إما هامشي، او يقتصر على تقليل المخاطر ومنع تفاقم المرض وحدوث تعقيدات صحية تنجم عنه).. ولحسن حظ شركات الأدوية الغربية فإن 80% من الوفيات بالأمراض المزمنة وغير المزمنة (المصدر: هيئة الصحة العالمية) تحدث في الدول النامية و90% من الإصابات بالنوع الثاني من السكري تحدث في آسيا، ومع هذا ففي العالم النامي فئران تجارب بالكوم، ولو نجحت التجارب «مبروك للغربيين وعلى العالم ثالثيين أن «يرجو الله في الكريبه» أو الكاريبي.
والبشر الذين يتم استخدامهم كفئران تجارب في الدول التي لابن آدم فيها قيمة يتقاضون مبالغ طائلة، ويخضعون لرقابة طبية على مدى سنوات، ولكن عندنا يصبح الشعب بأكمله «فئران بالمجان» بل وعليه أن يدفع نظير الانتماء إلى الجقور: كبسولات فرنسية لحرق الدهون و»المعجزة الطبية في عالم الإنجاب»، وفخر الصناعة السودانية للتخلص من الشيب نهائياً (في الجزء الأخير من ديباجة الإعلان عن هذا المنتج السوداني الفريد في عصره، تجد اسم بريطانيا وكأنما هي ولاية شمال الكدرو وشرق خط هيثرووو).
وفخر الصناعة السودانية هذا على ذمة المرأة التي تقرأ نص الإعلان التلفزيوني هو هِير كونترول hear/here control، على وزن «بير وجِير» ولا علاقة للاسم بالشعر الذي يسمى بالإنجليزية hair التي تُنطق على وزن زهير وزبير على ألسنة العامة، وتصاحب الإعلان صور شخصيات أجنبية بما يوحي أن فخر الصناعة السودانية غزا آسيا وأوربا.
والشاهد هو أن المواطن السوداني أصبح ملطشة، ووزارة الصحة ملطشة.