جعفر عباس

سعادة فقط بالإسترليني


كلما قرأت صحيفة بريطانية يصفعني خبر عن اكتشاف جديد أو ضفدعة تقدمت بدعوى ردّ شرف واعتبار لأنّ هناك من قال إن صوتها يشبه صوت شعبولا، وكنت أحسب نفسي انسانًا سعيدًا، فبحمده تعالى لي زوجة ودودة، وولدان وبنتان، كما أنني أعتبر نفسي ناجحًا في عملي، وأحصل على راتب يغطي احتياجاتي، ولكن تقريرًا نشرته الـ«صنداي» اللندنية أصابني بالتعاسة، لأنه يقول إن المال يجلب السعادة، قلت: ماشي فالحمد لله عندي من المال ما يوفر لي الضروريات، بل والكماليات أحيانًا، ولكن التقرير الذي أعده باحثون من جامعة واريك يقول إن المال الذي يجلب السعادة يجب أن يكون في حدود مليون جنيه، قلت: ماشي.. فعندي بحمد الله نحو 3 ملايين من الجنيهات، لكن التقرير مدَّ لسانه إليّ قائلاً: ثلاثة ملايين جنيه سوداني يا بائس وصفة مؤكدة للتعاسة. نحن نتكلم بالإسترليني يا «فاذر أوف جآفر»
استعنت بآلة حاسبة وصحت: نحو ستة ملايين ريال قطري يا أبو الجآذر (لقول الشاعر في مدحي: من الجآذر في الأعاريب). وأنشدت مع شوقي: رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا ** يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم، وبتحويل وصفة السعادة إلى العملة التي أتقاضى بها راتبي أدركت أنني بحاجة إلى العيش 109 سنوات، أتقاضى خلالها راتبي الحالي ولا أنفق منه فلسًا كي أكون سعيدًا
عشت طوال عمري وأنا أصدق أن القناعة كنز لا يفنى، فإذا بالخبراء الخواجات يقولون لي إن القناعة قلة طموح، طيب ماذا أفعل؟ هل التحق عمل في بنك على أمل أن تواتيني الفرصة فأختلس المبلغ المطلوب لتحقيق السعادة؟ لكن هل هناك بنك يوظف شخصًا لا يعرف جدول الضرب؟! هل انشر رسائل صحفية أناشيد فيها ذوي القلوب الرحيمة: مواطن سوداني يعاني من تعاسة وراثية، وقد أوصى الخبراء الأجانب بأن يتناول مليون جنيه إسترليني على الريق كي يبرأ من تلك العلة.
ولكن اختصاصيًا في علم النفس حاول مواساتي بالقول في التقرير إن الاستقرار في الحياة الزوجية يعادل نحو 75 ألف جنيه إسترليني، يعني نحو نصف مليون ريال، لو كان صحيحا لباع نصف رجال بريطانيا حياتهم الزوجية في البورصة، ولكن هب أنه صحيح، معناه أني مازلت بحاجة إلى أربعة ملايين ونصف المليون كي أصبح سعيدًا، ويضرب الاختصاصي مثلاً بسيدة من مقاطعة ساوث يوركشاير بإنجلترا كسبت نحو مليوني جنيه في اليانصيب الوطني، وبعد ستة أشهر التحقت بوظيفة راتبها السنوي 12 ألف جنيه لأنها أحست بالملل، بدلاً من أن يستشهد بحالة هذه المرأة الحمارة كان عليه أن يعالجها بالصعق الكهربائي، عندها مليونان من الجنيهات الصعبة وتقبل أن تعمل يوميًا ثماني ساعات ليعطوها ألف جنيه في الشهر؟
هذا نقصان عقل صريح، والله لو كان لدي نصف مليون جنيه عليها صورة الملكة إليزابيث الثانية أو العاشرة لما غادرت بيتي، ولبعثت باستقالتي من عملي الحالي على ظهر عملة ورقية فئة المائة جنيه.
ويقول الباحثون الخواجات أصحاب وصفة المليون إن مدير «بنك الرماد» مثلاً لا يحس بالسعادة عندما يحظى بحافز إضافي قدره مليوني جنيه، لأنه سمع أن مدير «بنك الزفت» نال ثلاثة ملايين. الرباطاب قوم من أهل السودان، متهمون بأن عيونهم حارة وأنهم حاسدون، ومردُّ ذلك أن لهم قدرة بلاغية عجيبة خاصة في مجال التشبيهات، ويتداول السودانيون العديد من الحكايات الطريفة عنهم، ومنها ما قاله تاجر رباطابي معروف كان ينافسه في السوق تاجرا آخر (لنقل إن اسمه مراد) ويُروى عن الرجل أنه رفع يديه بالدعاء: يا رب أغنني أو أفقر مراد.