جعفر عباس

ماذا جنت سارة سر الختم؟


كل ما أعرفه عن سارة سر الختم محمد أحمد، هو أنها محاضرة بجامعة النيلين، في مجال نادر وجديد على بلادنا نسبياً، ألا هو علوم البصريات، وعرفت ذلك عنها لأن قاضي المحكمة العليا بجامعة النيلين، نشر إعلاناً صحفياً يخاطب الأستاذة سارة «بهذا نخطرك بالمثول أمام مجلس التحقيق المنعقد بتاريخ 22/12/2015م، حسب المادة 9 (2)، من لائحة محاسبة العاملين بمؤسسات التعليم العالي. الزمان الساعة 11 صباحاً، والمكان: مكتب المستشار القانوني بجامعة النيلين، وفي حال عدم حضورك سوف تتخذ الإجراءات غيابياً).
نص الإعلان يعطي الانطباع بأن سارة هاربة من العدالة، وأن جامعة النيلين جهة عدلية، تلاحقها حسب الأصول (اللوائح) المرعية في مؤسسات التعليم العالي، ولكن مثل هذا النص لا ينبغي أن يصدر عن جهة لها علاقة بالتعليم والتربية، فمثل تلك الإعلانات لا تصدر إلا عن محاكم قضائية، وليس من حق أية جهة أن تصدر إعلاناً على الملأ تطلب فيه من أحد العاملين بها ان يمثل أمام مجلس تأديب أو تحقيق، وهناك عناصر من القوات النظامية تهرب من الخدمة وترتكب جرائم ومخالفات تستوجب المساءلة، ولكن قياداتها لا تنشر إعلانات عبر وسائل الإعلام تطلب فيهم المثول أمام لجان تحقيق، بل تصدر أحكاما بحقها حضورياً أو غيابياً حسب مقتضى الحال، برغم وجود شرطة عسكرية وقضاء عسكري.
وبافتراض أن جامعة النيلين تتمتع دون غيرها من سلطات الخدمة العامة والعسكرية بسلطة الضبطية القضائية والملاحقة، فإن ما نشرته بحق الأستاذة سارة تشهير، ولا ندري هل سارة كانت متزوجة بكلية البصريات ثم نشزت، (ما يصير فهي مؤنثة والكلية مؤنثة)، وسيصدر حكم بتطليقها لـ»الغيبة»؟ أم كسرت أو سرقت جهازاً في الكلية؟ أم تسببت في جرح قرنية عين عميد الكلية، أم خرجت ولم تعد (أي تغيبت عن العمل ولم تلتزم بجدول المحاضرات الخاص بها)؟
هذا الإعلان غير المسبوق في تاريخ التعليم العالي والخدمة العامة في السودان، يعطي من يقرأه حق الاستنتاج بأن الأستاذة سارة مغضوب عليها من جهة متنفذة في الجامعة، وأنها رفضت التهديد والوعيد الشفهي والمكتوب لمساءلتها وقررت لزوم بيتها، فما كان من تلك الجهة إلا أن قالت «طيب حنوريكي، عشان تعرفي حدودك»، فكان قرار التشهير بها بالنشر الصحفي بما يوحي أنها عملت عملة مهببة، وتركوا للقارئ استنتاج ماهية تلك العملة، بينما عندما تخاطب المحاكم العدلية شخصاً متهرباً من المثول أمامها بالنشر الصحفي، تقول بوضوح إنه سيتم الفصل في القضية كذا وكذا، التي يمثل الادعاء فيها فلان أو فلانة، في يوم كذا من شهر كذا، وفي حال عدم حضور المدعى عليه سيتم الفصل في القضية.
وتفعل المحاكم ذلك بعد أن تعجز عن الاستدلال عن مكان إقامة المدعى عليه، ولابد أن لسارة هذه رقم هاتف، وأهل وأصدقاء وزملاء يعرفون بيتها، ولو كانت الجهة التي أصدرت الإعلان الذي يطالبها أمام مجلس تحقيق ترى أن الأمر على درجة عالية من الأهمية لعرفت طريقها إلى سارة عبر العديد من القنوات، ولو كان الأمر يتعلق بمخالفة جسيمة للجأت للقضاء الطبيعي.
يا جماعة حتى الشرطة والنيابة العامة لا تقبل بلاغات الطلاب وأولياء الأمور إلا بعد مخاطبة سلطات التعليم، فمال بال جامعة النيلين تسعى للنيل من زميلة بأسلوب يجافي أصول وضوابط التعليم والإدارة والزمالة والأخلاق.. أكرر الأخلاق.